أخبرنا "مالك" عن "نافع" عن "ابن عمر" أنَّ رسولَ الله قال: " المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ " (1) .
ص: 314 أخبرنا "سفيان" عن "الزهري" عن "سعيد بن المسيب" عن "أبي هريرة" أنَّ رسولَ الله قال: " لاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ " (2) .
قال "الشافعي": وهذا معنى يُبَيِّنُ أن رسول الله قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"، وأنَّ نهيه عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، إنما هو قبل أن يتَفَرَّقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه.
وذلك أنهما لا يكونان متبايعين حتى يَعْقدا البيْعَ معاً، فلو كان البيع إذا عَقَداه لزم كلَّ واحد منهما، ما ضَرَّ البائِعَ أن يبيعه رجلٌ سِلْعَةً كسلعته أو غيرَها، وقد تمَّ بيعه لِسِلْعته، ولكنه لَمَّا كان لهما الخِيار كان الرجل لو اشترى من رجلٍ ثَوْبًا بِعشرة دنانِيرَ فجاءه آخر فأعطاه مثله بتسعة دنانير: أشْبَهَ أن يَفْسَخَ البيعَ، إذا كان له الخيارُ قبل أن يفارقه، ولعله يفسخه ثم لا يَتِمُّ
ص: 315 البيع بينه وبَيْنَ بَيِّعِهِ الآخر، فيكونُ الآخَرُ قد أفسد على البائع وعلى المشتري، أو على أحدهما.
فهذا وجْهُ النهي عن أن يبيع الرجلُ على بَيْعِ أخيه، لاَ وَجْهَ له غيرُ ذلك.
ألاَ تَرَى أنه لوْ باعَهُ ثوباً بعشرة دنانيرَ، فلزمه البيع قبل أن يتفرقا من مقامهما ذلك، ثم باعه آخر خيراً منه بدينار: لم يَضُرَّ البائِعَ الأوَّلَ، لأنه قد لَزِمَهُ عَشْرَةُ دنانيرَ لا يستطيع فسخَها؟!
قال: وقد رُوِيَ عن النبي أنه قال: "لاَ يَسُومُ أَحَدُكُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ " (3) ، فإن كان ثابتاً، ولسْتُ أحفظه ثابتاً، فهو مثل: " لاَ يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ "، لا يسوم على سومه إذا رضي البيعَ وأذِنَ بأن يُباعَ قبل البيع، حتى لوْ بِيعَ لَزِمَهُ.
فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟
فإن رسول الله باع فيمن يزيد، وبيْعُ مَنْ يَزيدُ سَوْمُ رجُلٍ على سوم أخيه، ولكن البائع لم يرْضَ السَّوْمَ الأوَّلَ حتى طَلَبَ الزِّيَادَةَ.