قال: وهكذا غير هذا من حديث رسول الله، هو على الظاهر من العامِّ حتى تأتي الدِّلالة عنه كما وصفْتُ، أو بإجماع المسلمين: أنه على باطنٍ دون ظاهِرٍ، وخاصٍّ دون عامٍّ، فيجعلونه بما جاءت عليه الدلالة عليه، ويطيعونه في الأمرين جميعاً.
أخبرنا "مالك" عن "زيد بن أسلم" عن "عطاء بن يسار" وعن "بُسْر بن سعيد" وعن "الأعرج" يحدثونه عن "أبي هريرة" أنَّ رسول الله
ص: 323 قال: " مَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكعْةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ " (1) .
قال "الشافعي": فالعلم يحيط أن المُصلي ركعةً من الصبح قبل طلوع الشمس والمصلي ركعة من العصر قبل غروب الشمس، قد صلَّيَا معًا في وقتين يجمعان تحريمَ وقتين، وذلك أنهما صليا بعد الصبح والعصر، ومع بُزُوغ الشمس ومَغِيبها، وهذه أربعةُ أوْقات مَنْهِيٌّ عن الصلاة فيها.
لَمَّا جعَلَ رسول الله المصلين في هذه الأوقات مُدْرِكين لصلاة الصبح والعصر، استدللنا على أن نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات على النوافل التي لا تَلْزَمُ، وذلك أنه لا يكون
ص: 324 أن يُجْعل المَرْءُ مُدْرِكًا لصلاةٍ في وقتٍ نُهِيَ فيه عن الصلاة.
أخبرنا "مالك" عن "ابن شهاب" عن "ابن المسيب" أنَّ رسولَ الله قال: " مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: " أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي (14) " طه " (2) .
وحدّثَ "أنس بن مالك" و"عمران بن حصين" عن النبي مِثل معنى حديث "ابن المسيب"، وزاد أحدُهما: " أوْ نَامَ عَنْهَا ".
قال "الشافعي": فقال رسول الله: " فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ص: 325 ذَكَرَهَا "، فجعل ذلك وقتاً لها، وأخبر به عن الله - تبارك وتعالى - ولم يستثني (3) وقتاً مِن الأوقات يَدَعُها فيه بعْد ذكرها.
أخبرنا "ابن عيينة" عن "أبي الزبير" عن "عبد الله بن باباه" عن "جبير بن مُطْعِمٍ" أن النبي قال: " يَا بَنِي عَبْدِ منَاَفٍ، مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بَهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى، أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " (4) .
أخبرنا "عبد المجيد" عن "ابن جريج" عن
ص: 326 "عطاء" عن النبي مثل معناه، وزاد فيه: " يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ "، ثم ساق الحديث.
قال: فأخبر "جُبَيْرٌ" عن النبي، أنَّهُ أَمَرَ بِإِبَاحَةِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالصَّلاَةِ لَهُ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ الطَّائِفُ وَالمُصَلِّي.
وهذا يبين أنه إنما نهى عن المواقيت التي نهى عنها، عن الصلاة التي لا تلزم بوجه من الوجوه، فأما ما لزم فلم يَنهَ عنه، بل أباحه، صلى الله عليه.