فقال: فما الحجَّةُ لك في قَبول خبر الواحد وأنْتَ لا تُجِيز شَهادَة واحِدٍ وحْده؟ وما حجتك في أنْ قِسْتَهُ بالشهادَة في أكْثَرِ أمْره، وفَرَّقْتَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الشهادَةِ في بعْض أمْره؟
ص: 384 قال: فقلْتُ له: أنتَ تُعِيدُ ما قد ظَنَنْتُكَ فَرَغْتَ مِنه!! ولمْ أَقِسْهُ بالشَّهادَة، إنَّمَا سألْتَ أنْ أمَثِّلَهُ لَكَ بشيء تعرفه، أنتَ به أخبرُ منك بالحديث، فَمَثَّلْتُهُ لك بذلك الشيء، لا أنِّي احْتَجْتُ لأنْ يكون قياساً عليه.
وتَثْبِيتُ خبر الواحد أقْوى مِنْ أنْ أحْتاج إلى أنْ أُمَثِّلَهُ بغيره، بَلْ هُوَ أصْلٌ في نفْسِه.
قال: فكيف يكون الحديث كالشهادة في شيء، ثم يفارِقُ بعْضَ معانِيها في غيره؟
فقلت له: هو مخالف للشهادة - كما وصفْتُ لك - في بعض أمْره، ولو جَعَلْتُهُ كالشهادة في بعض أمره دون بعضٍ كانت الحجة لي فيه بَيِّنَةً، إنْ شاء الله.
ص: 385 قال: وكيْف ذلك، وسبيلُ الشهادات سبيلٌ واحِدة؟
قال: فقلْتُ: أتعني في بعض أمرها دون بعض؟ أمْ في كلِّ أمْرها؟
قال: بلْ في كلِّ أمْرِها.
قلتُ: فَكَمْ أقَلُّ ما تَقْبَلُ علَى الزِّنا؟
قال: أربعة.
قلتُ: فإن نَقَصُوا واحِد جَلَدْتَهم؟
قال: نعم.
قلت: فكم تقبل على القتل والكفر وقطع الطريق الذي تَقْتُلُ به كلِّه؟
قال: شاهِدين.
قلت له: كم تقْبل على المال؟
ص: 386 قال: شاهِدًا وامْرأتَيْنِ.
قلت: فكَمْ تقبل في عُيوب النِّساء؟
قال: امْرَأةً.
قلت: ولَوْ لم يُتِمُّوا شاهِدَيْن وشاهِدًا وامْرأتين: لم تَجْلِدْهُم كما جَلَدْتَ شُهودَ الزِّنا؟
قال: نعم.
قلت: أفَتَراها مُجْتَمِعَةً؟
قال: نعم، في أنْ أقْبَلَهَا مُتَفَرِّقَةً في عَدَدِهَا. وفي أنْ لاَ يُجْلَدَ إلاَّ شاهِدُ الزِّنا.
قلت له: فلَوْ قلْتُ لك هذا في خَبَرِ الواحِدِ، وهو مُجَامِعٌ للشَّهادة في أنْ أقْبَلَه، ومُفَارِقٌ لها في عَدَدِهِ، هلْ كانتْ لك حجَّةٌ إلاَّ كَهِيَ عَلَيْكَ؟!
ص: 387 قال: فإنما قلْتُ بالخلاف بَيْنَ عدَد الشهادات خَبَرًا واستدلالاً.
قلت: وكذلك قلْتُ في قبول خبر الواحد خبًرا واستدلالاً.
وقلتُ: أَرأيْتَ شهادَة النِّساء في الوِلادَة، لِمَ أَجَزْتَهَا ولا تُجِيزُهَا في دِرهمٍ؟
قال: اتِّبَاعًا.
قلتُ: فإنْ قيل لك: لَمْ يُذْكَرْ في القُرَآن أقَلُّ مِنْ شاهد وامرأتين؟