فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملاً للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد: فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم ردُّ ما كان منصوصاً منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطةٌ كما يكون نص الكتاب وخبرُ العامة عن رسول الله.
ولو شك في هذا شاكّ لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالماً - أن تشك، كما ليس لك الا ان تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم.
فقال: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على مَن علمه؟ وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواءٌ؟
قال "الشافعي": فقلت له: المنقطع مختلف:
فمن شاهدَ أصحاب رسول الله من التابعين، فحدَّث حديثاً منقطعاً عن النبي: اعتُبر عليه بأمور:
ص: 462 منها: أن ينظر إلى ما أَرسل من الحديث، فإن شَرِكَه فيه الحفاظ المأمونون، فأسندوه الى رسول الله بمثل معنى ما روى: كانت هذه دلالةً على صحة مَن قبل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يَشركه فيه من يُسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك.
ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسِل غيره ممن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟
فإن وُجد ذلك كانت دلالةً يَقوى له مرسلُه، وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يُوجَد ذلك نُظر إلى بعض ما يُروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وُجد يُوافق ما روى عن
ص: 463 رسول الله كانت في هذه دلالةٌ على أنه لم يأخذ مرسَلَه إلا عن أصل يصح إن شاء الله.
وكذلك إن وُجد عوامُّ من أهل العلم يُفتون بمثل معنى ما روى عن النبي.
قال "الشافعي": ثم يُعتبر عليه: بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسمِّي مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، فيُستدل بذلك على صحته فيما روى عنه.
ويكون إذا شَرِك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه وُجد حديثه أنقصَ: كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ص: 464 ومتى ما خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه، حتى لا يسع أحداً منهم قبول مرسله
قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله.
ولا نستطيع أن نزعُم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالموتَصِل. ِ