فإن قال: فهل من شيء يدل على ذلك، وتشدُّه به؟
قيل: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أن رسول الله قال: " نَصَّرَ الله عبداً " (1)
أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن ابن سليمان بن يسار عن أبيه: " أن عمر بن الخطاب خطبَ الناسَ
ص: 474 بالجابية، فقال: إن رسول الله قام (2) فينا كمَقَامي فيكم، فقال: أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب، حتى إن الرجل لَيَحْلف ولا يُستحلف، ويَشهد ولا يُستشهد، ألا فمن سرَّه بَحبَحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الفَذّ وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلُوَنَّ رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهم، ومن سَرَّته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن" (3) .
ص: 475 قال: فما معنى أمر النبي بلزوم جماعتهم؟
قلت: لا معنى له إلا واحد.
قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟
قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان، فلا يقدر أحدٌ أن يلزم جماعةَ أبدانِ قومٍ متفرقين، وقد وُجِدَت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفُجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما.
ومن قال بما تقول به جماعةُ المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعةُ المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمِرَ
ص: 476 بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفُرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافةً غفلةٌ عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس، إن شاء الله.