قال: أفتجد تجويز ما قلت من الاجتهاد، مع ما وصفتَ فتذكرَه؟
قلت: نعم، استدلالاً بقول الله: {ومن حيثُ خرجْتَ فَوَلِّ وجهَكَ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ، وحيث ما كنتم فولُّوا وجوهَكم شَطْرَهُ} البقرة 150
قال: فما شطره؟
قلت: تلقاءَه قال الشاعر:
إن العسيبَ بها داءٌ مُخامِرُها فشَطْرَها بَصَرُ العَينين مَسجُورُ (1)
ص: 488 فالعلم يحيط أن مَن تَوَجه تلقاء المسجد الحرام ممن نَأَت داره عنه: على صواب بالاجتهاد للتوجه الى البيت بالدلائل عليه، لأن الذي كُلف التوجُّهُ إليه، وهو لا يدري أصاب بتوجهه قصْدَ المسجد الحرام أم أخطأه، وقد يَرَى دلائل يعرفها فيَتَوجه بقدر ما يعرف ويعرف غيره دلائل غيرها، فيتوجه بقدر ما يعرف وإن اختلف توجههما.
قال: فإن أجزتُ لك هذا أجزتُ لك في بعض الحالات الاختلافَ.
قلت: فقل فيه ما شئتَ.
قال: أقول. لا يجوز هذا.
قلت: فهو أنا وأنت، ونحن بالطريق عالمان،
ص: 489 قلت: وهذه القبلةُ، وزعمتَ خِلافي على أيِّنا يتبع صاحبه؟
قال: ما على واحد منكما أن يتبع صاحبه.
قلت: فما يجب عليهما؟
قال: إن قلتُ لا يجب عليهما أن يصليا حتى يعلما بإحاطة: فهما لا يعلمان أبداً المغيَّب بإحاطة، وهما إذاً يَدَعان الصلاة، أو يرتفع عنهما فرضُ القبلة، فيصليان حيث شاءا، ولا أقول واحداً من هذين، وما أجد بُدَّاً من أن أقول: يصلي كل واحد منهما كما يرى، ولم يُكَلفا غير هذا، أو أقولَ كُلف الصوابَ في الظاهر والباطن، ووُضع عنهما الخطأ في الباطن دون الظاهر.
قلت: فأيَّهما قلتَ فهو حجة عليك، لأنك فرَّقت بين حكم الباطن والظاهر، وذلك الذي أنكرتَ علينا، وأنت: تقول إذا اختلفتم قلتُ ولا بد أن يكون أحدهما مخطئً؟
قلت: أجل.
قلت: فقد أجزتَ الصلاة وأنت تعلم أحدَهما
ص: 490 مخطئً، وقد يمكن أن يكونا معاً مخطئين.
وقلت له: وهذا يلزمك في الشهادات وفي القياس.
قال: ما أجد من هذا بُدَّاً، ولكن أقول: هو خطأ موضوع.