ولا يقيس إلا من جمع الآلةَ التي له القياسُ بها،
ص: 510 وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضِه، وأدبِه، وناسخِه، ومنسوخِه، وعامِّه، وخاصِّه، وإرشاده.
ويَستدل على ما احتمل التاويل منه بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماعٌ فبالقياس.
ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السنن، وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب.
ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرِّق بين المشتبه، ولا يَعْجَلَ بالقول به دون التثبيت.
ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزدادُ به تثبيتاً فيما اعتقده من الصواب.
ص: 511 وعليه في ذلك بلوغُ غاية جهده، والإنصافُ من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك.
ولا يكون بما قال أَعنَى منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله.
فأما مَن تمَّ عقله، ولم يكن عالماً بما وصفنا، فلا يحلُّ له أن يقول بقياس، وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.
ومن كان عالماً بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة: فليس له أن يقول أيضاً بقياس، لأنه قد يذهب عليه عَقْل المعاني.
وكذلك لو كان حافظاً مقصِّرَ العقلِ، أو مقصِّراً عن علم لسان العرب: لم يكن له أن يقيس من قِبَلِ نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس.
ولا نقول يَسَع - هذا والله أعلم - أن يقول أبداً إلا اتباعاً ولا قياساً.