قال: فأنا أبدأ، فأسألك عن حجتك في قول جِرَاح العبد في ديته: أخبراً قلته أم قياساً؟
قلت: أما الخبر فيه، فعن سعيد بن المسيب.
قال: فاذكره؟
قلت: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال: عَقْلُ العبد في ثمنه، فسمعته منه كثيراً هكذا، وربما قال: كجراح الحر في ديته، قال ابن شهاب: فإن ناساً يقولون: يُقَوَّم سلعةً.
فقال: إنما سألتك خبراً تقوم به حجَّتُك.
فقلت: قد أخبرتك أني لا أعرف فيه خبراً عن أحدٍ أعلى من سعيد بن المسيب.
قال: فليس في قوله حجة.
قال: وما ادعيتُ ذلك فتردَّه عليّ!
قال: فاذكر الحجة فيه؟
قلت: قياساً على الجناية على الحر.
قال: قد يفارق الحرَّ في أن دية الحر مؤقَّتة،
ص: 540 وديتُه ثمنُهُ، فيكونُ بالسِّلَع من الإبل والدواب وغير ذلك أشبهَ، لأن في كل واحد منهما ثمنَه. ُ
فقلت: فهذا حجة لمن قال: لا تعقل العاقلة ثمن العبد: عليك.
قال: ومن أين؟
قال: يقول لك: لمَ قلتَ تعقل العاقلة ثمن العبد إذا جنى عليه الحر قيمته، وهو عندك بمنزلة الثمن؟ ولو جنى على بعير جناية ضمِنها في ماله؟
قال: فهو نفسٌ محرمة.
قلت: والبعير نفس محرمة على قاتله؟
قال: ليست كحرمة المؤمن.
قلت: ويقول لك، ولا العبدُ كحرمة الحر في كل أمره.
ص: 541 فقلت: فهو عندك مجُاَمِعُ الحرِّ في المعنى، أفتعقله العاقلة؟
قال: ونعم.
قلت: وحَكَمَ الله في المؤمن يُقتل خطأً بديةٍ وتحريرِ رقبة؟
قال: نعم.
قلت: وزعمتَ أن في العبد تحريرَ رقبةٍ كهي في الحر وثمنً، وأن الثمن كالدية؟
قال: نعم.
قلت: وزعمتَ أنك تقتل الحرَّ بالعبد؟
قال: نعم.
ص: 542 قلت: وزعمنا أنا نقتل العبدَ بالعبد؟
قال: وأنا أقوله.
قلت: فقد جامَعَ الحرَّ في هذه المعاني عندنا وعندك، في أن بينه وبين المملوك قصاصاً في كل جُرح، وجامَعَ البعير في معنى أن ديتَه ثمنُهُ، فكيف اخترتَ في جراحته أن تجعلها كجراحة بعيرٍ، فتجعل فيه ما نَقَصَه، ولم تجعل جراحته في ثمنه كجراح الحر في ديته؟ وهو يجُامع الحر في خمسة معاني، ويفارقه في معنى واحد؟ أليس أن تقيسه على ما يجامعه في خمسة معاني أولى بك من أن تقيسه على جامعه على معنى واحد؟! مع أنه يجُامع الحر في أكثرَ من هذا: أن ما حُرم على الحر حُرم عليه، وأن عليه الحدودَ والصلاةَ والصوم وغيرها من الفرائض، وليس من البهائم بسبيل!!
قال: رأيتُ ديتَه ثمنَه؟
ص: 543 قلت: وقد رأيتَ دية المرأة نصف دية الرجل، فما منع ذلك جراحَهَا أن تكون في ديتها، كما كانت جراح الرجل في ديته؟!
وقلت له: إذا كانت الدية في ثلاث سنين إبلاً أفليس قد زعمتَ أن الإبل لا تكون بصفة دَيناً؟ فكيف أنكرت أن تُشترى الإبل بصفة إلى أجل؟ ولم تقيسه (1) على الدية، ولا على الكتابة ولا، على المهر، وأنت تجيز في هذا كله أن تكون الإبل بصفة دَيناً؟! فخالفت فيه القياس، وخالفتَ الحديث نصاً عن النبي: أنه استسلف بعيراً، ثم أمر بقضائه بعد؟!
ص: 544 قال: كرهه ابن مسعود.
فقلنا: وفي أحد مع النبي حجة؟!
قال: لا، إن ثبت عن النبي.
قلت: هو ثابت باستسلافه بعيراً وقضاه خيراً منه، وثابت في الديات عندنا وعندك، هذا في معنى السنة.