قال: فإن لم يكن هذا وجهَه، فما يقال لهذا الحكم؟
قلنا: يقال له: سنةٌ تُعُبِّد العبادُ بأن يحكموا بها.
وما يقال لغيره مما يدل الخبر على المعنى الذي له حُكم به؟
قيل: حُكْمُ سنة تُعُبِّدوا بها لأمر عرفوه بمعنى الذي تُعُبِّدوا له في السنة، فقاسوا عليه ما كان في مثل معناه.
قال: فاذكر منه وجهاً غيرَ هذا إن حضرك تجمع فيه ما يقاس عليه، ولا يقاس؟
ص: 556 فقلت له: قضى رسول الله في المُصَرَّاة (1) من الإبل والغنم إذا حَلَبَها مشتريها: " إن أحبَّ أمسكها، وإن أحب ردَّها وصاعاً من تمر" (2) ، وقضى " أن الخراج بالضمان"
فكان معقولاً في " الخراج بالضمان " أني إذا ابتعت عبداً فأخذت له خَرَاجاً ثم ظهرْتُ منه على عيب يكونُ لي ردُّه: فما أخذت من الخراج والعبدُ في مِلْكي ففيه خصلتان: إحداهما: أنه لم يكن في ملك البائع، ولم يكن له حصة من الثمن، والأخرى:
ص: 557 أنها في ملكي، وفي الوقت الذي خرج فيه العبد من ضمان بائعه إلى ضماني، فكان العبد لو مات مات من مالي وفي ملكي، ولو شئتُ حبسته بعيبه، فكذلك الخراج.
فقلنا بالقياس على حديث "الخراج بالضمان " فقلنا: كل ما خرج من ثمرِ حائطٍ اشتريته، أو وَلَدِ ماشيةٍ أو جاريةٍ اشتريتها، فهو مثل الخراج، لأنه حدث في مِلك مشتريه، لا في ملك بائعه.
وقلنا في المُصَرَّاة اتباعاً لأمر رسول الله، ولم نقس عليه، وذلك أن الصفقة وقعت على شاة بعينها، فيها لبنٌ محبوس مغيَّب المعنى والقيمة، ونحن نحيط أن لبن الإبل والغنم يختلف، وألبانُ كل واحد منهما يختلف، فلما قضى فيه رسول الله بشيء مؤقَّت، وهو صاعٌ من تمر: قلنا به اتباعاً لأمر رسول الله.
ص: 558 قال: فلو اشترى رجل شاة مُصَرَّاة، فَحَلَبها ثم رَضِيَهَا بعد العلم بعيب التصْرِيَة، فأمسكها شهراً حَلَبَها، ثم ظهر منها على عيب دلَّسه له البائعُ غيرِ التصرية: كان له ردُّها، وكان له اللبنُ بغير شيء، بمنزلة الخراج، لأنه لم يقع عليه صفقةُ البيع، وإنما هو حادث في مِلك المشتري، وكان عليه أن يرد فيما أخذ من لبن التَّصْرية صاعاً من تمر، كما قضى به رسول الله.
فنكونُ قد قلنا في لبن التصرية خبراً، وفي اللبن بعد التصرية قياساً على " الخراج بالضمان"
ولبنُ التصرية مفارقٌ لِلَّبن الحادثِ بعده، لأنه وقعت عليه صفقةُ البيع، واللبنُ بعده حادث في ملك المشتري، لم تقع عليه صفقة البيع.