يفصل للناس طرق فهم الكتاب على ما عرف من بيان العرب وفصاحتهم، وكيف يدلهم على الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة، وعلى الجمع بين ما ظاهره التعارض فيهما أو في أحدهما.
حتى سماه أهل مكة " ناصر الحديث ".
وتواترت أخباره إلى علماء الاسلام في عصره، فكانوا يفدون إلى مكة للحج، يناظرونه ويأخذون عنه في حياة شيوخه، حتى إن أحمد بن حنبل جلس معه مرة، فجاء أحد إخوانه يعتب عليه أن ترك مجلس ابن عيينة - شيخ الشافعي -.
ويجلس إلى هذا الاعرابي! فقال له أحمد: " اسكت، إنك إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول، وإن فاتك عقل هذا أخاف أن لا تجده، ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى ".
وحتى يقول داود بن علي الظاهري الامام في كتاب مناقب الشافعي: " قال لي إسحق بن راهويه: ذهبت أنا وأحمد بن حنبل الى الشافعي بمكة فسألته عن أشياء، فوجدته فصيحا حسن الادب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي فيه فهما، فلو كنت عرفته للزمته.
قال داود: ورأيته يتأسف على ما فاته منه ".
وحتى يقول أحمد بن حنبل: " لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث ".
ويقول أيضا: " كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، فكان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة رسول الله ".
ثم يدخل العراق، دار الخلافة وعاصمة الدولة (1) ، فيأخذ عن أهل
الرأي علمهم ورأيهم، وينظر فيه، ويجادلهم ويحاجهم، ويزداد بذلك بصرا