الْحُظُوظِ سَقَطَ كَوْنُهَا مُتَعَبَّدًا بِهَا، فَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِالْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالْمُتَعَبَّدِ بِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَأَشْبَاهِهِمَا، يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ التَّعَبُّدُ بِهَا، وَكُلُّ عَمَلٍ مِنْ عَادَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ مَأْمُورٌ بِهِ فَحَظُّ النَّفْسِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ١، فَإِذَا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُتَعَبَّدًا بِهِ سَقَطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً، فَصَارَ مُهْمَلَ الِاعْتِبَارِ فِي الْعِبَادَةِ، فَبَطُلَ التَّعَبُّدُ فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْنَى كَوْنِ الْعَمَلِ غَيْرَ صَحِيحٍ.
وَأَيْضًا، فَهَذَا الْمَأْمُورُ أَوِ الْمَنْهِيُّ بِمَا فِيهِ حَظُّهُ، يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي كَانَ يَصْنَعُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَرِيٌّ عَنِ الْحُظُوظِ؟! هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ التَّعَبُّدُ لِلَّهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، فَالْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِلَا بُدٍّ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ لَا وَسِيلَةٌ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ:
هَبِ الْبَعْثَ لَمْ تَأْتِنَا رُسْلُهُ ... وَجَاحِمَةَ النَّارِ لَمْ تُضْرَمْ
أَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ المستحَقِّ ... ثَنَاءُ الْعِبَادِ عَلَى الْمُنْعِمِ
وَيَعْنِي بِالْوُجُوبِ بِالشَّرْعِ، فَإِذَا جُعِلَ وَسِيلَةً، أُخْرِجَ عَنْ مُقْتَضَى الْمَشْرُوعِ، وَصَارَ الْعَمَلُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى غَيْرِ مَا قَصَدَ الشَّارِعُ، وَالْقَصْدُ الْمُخَالِفُ لِقَصْدِ الشَّارِعِ بَاطِلٌ، وَالْعَمَلُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، فَالْعَمَلُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْحَظِّ كَذَلِكَ.
وَإِلَى هَذَا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ مَعَ رَبِّهِ حَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهُ وَلَا أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَا أَنْ يُنَعِّمَهُ، بَلْ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كان لَهُ ذَلِكَ بِحَقِّ الْمُلْكِ {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} الْأَنْعَامِ: ١٤٩ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ التَّعَبُّدِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ حَظٍّ، فَإِنَّ طَلَبَ الْحَظِّ بِالْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِحُقُوقِ السَّيِّدِ بَلْ بِحُظُوظِ نفسه.
١ أي: لا يخلو من حظ للنفس يمكن أن يتعلق به. "د".