وَوَجْهٌ ثانٍ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَبُ الْحَظِّ فِي ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْتِمَاسِهِ وَطَلَبِهِ، لَاسْتَوَى مَعَ الْعِبَادَاتِ كَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إِلَى الِامْتِثَالِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَادَاتِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، وَهَذَا كافٍ فِي كَوْنِ الْقَصْدِ إِلَى الْحَظِّ لَا يَقْدَحُ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ عَنْهَا ذَلِكَ الْحَظُّ، بَلْ لَوْ فَرَضْنَا رَجُلًا تَزَوَّجَ لِيُرَائِيَ بِتَزَوُّجِهِ، أَوْ لِيُعَدَّ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، لَصَحَّ تَزَوُّجُهُ، مِنْ حَيْثُ لَمْ يشرع فيه نية العبادة من حيث هو تَزَوَّجَ فَيَقْدَحَ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مُجَرَّدًا.
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ طَلَبُ الْحَظِّ فِيهَا سَائِغًا، لَمْ يَصِحَّ النَّصُّ عَلَى الِامْتِنَانِ بِهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} الرُّومِ: ٢١ .
وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} يُونُسَ: ٦٧ .
وَقَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} الْبَقَرَةِ: ٢٢ .
وَقَالَ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} الْقَصَصِ: ٧٣ .
وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} النَّبَأِ: ١٠-١١ .
إِلَى آخِرِ الآيات، إلى غيبر ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى.
وَذَلِكَ أَنَّ مَا جَاءَ فِي مَعْرِضِ مُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ لَا يَقَعُ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كُلْفَةٌ وَخِلَافٌ لِلْعَادَاتِ١، وَقَطْعٌ لِلْأَهْوَاءِ، كَالصَّلَاةِ،
١ في الأصل: "العادات".