فِي قَصْدِهِ الْحَظُّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ بِالنِّكَاحِ نَفْسَ التَّمَتُّعِ، فَلَا مُخَالَفَةَ لِلشَّارِعِ مِنْ جِهَةِ الْقَصْدِ، بَلْ لَهُ مُوَافَقَتَانِ: مُوَافَقَةٌ مِنْ جِهَةِ قَبُولِ مَا قَصَدَ الشَّارِعِ أَنْ يَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ، وَمُوَافَقَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ فِي الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْمُكَلَّفِ لَهُ فِي حُسْنِ الْأَدَبِ، فَكَانَ لَهُ تَأَدُّبٌ مَعَ الشَّارِعِ فِي تَلْبِيَةِ الْأَمْرِ، زِيَادَةً إِلَى حُصُولِ مَا قَصَدَهُ مِنْ نَيْلِ حَظِّ الْمُكَلَّفِ.
وَأَيْضًا١ فَفِي قَصْدِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ الْقَصْدُ إِلَى الْمَقْصِدِ الْأَصْلِيِّ مِنْ حُصُولِ النَّسْلِ، فَهُوَ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ ملبٍ لِلشَّارِعِ فِي هَذَا الْقَصْدِ، بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَظِّ فَقَطْ، فَلَيْسَ لَهُ هذه المزية.
فإن قيل: فطالب الحظ على هَذَا الْوَجْهِ مَلُومٌ؛ إِذْ أَهْمَلَ قَصَدَ الشَّارِعِ فِي الْأَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ حِينَ أَلْقَى مَقَالِيدَهُ فِي نَيْلِ هَذِهِ الْحُظُوظِ لِلشَّارِعِ عَلَى الْجُمْلَةِ حَصَلَ لَهُ بِالضِّمْنِ مُقْتَضَى مَا قَصَدَ الشَّارِعُ، فَلَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ فِي نَيْلِ الْحُظُوظِ مُنَافِيًا لِقَصْدِ الشَّارِعِ الْأَصْلِيِّ.
وَأَيْضًا، فَالدَّاخِلُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْحُظُوظِ دَاخِلٌ بِحُكْمِ الشَّرْطِ الْعَادِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَلِدُ٢، وَيَتَكَلَّفُ التَّرْبِيَةَ وَالْقِيَامَ بِمَصَالِحِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، كَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ إِذَا أَتَى الْأَمْرُ مِنْ بَابِهِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَيَقُومُ بِمَصَالِحِهَا، لَكِنْ لَا يَسْتَوِي الْقَصْدَانِ: قَصْدُ الِامْتِثَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى كَانَ الْحَظُّ حَاصِلًا بِالضِّمْنِ، وَقَصْدُ الْحَظِّ ابْتِدَاءً حَتَّى صَارَ قَصْدُ الِامْتِثَالِ بِالضِّمْنِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَصْدَ الْحَظِّ فِي هَذَا القسم.
١ موافقة ثالثة. "د".
٢ كذا في "ط" فقط، وفي غيره: "لم يلد"، وكتب "د" بناء عليه: "اللائق بالمقام حذف "لم"، أي: فالذي يقصد التمتع فقط بالنكاح داخل ضمنا وبحسب العادة على أنه سيلد، ويتكلف تربية الأولاد، والإنفاق على الزوجات، فهو قاصد ضمنا لمقصد الشارع الأصلي من النكاح، وهو النسل".