أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى قِلَّتِهَا مُعَارِضَةٌ لِأَصْلٍ ثَابِتٍ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعِيٍّ، وَلَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ اللَّفْظِيِّ وَلَا الْمَعْنَوِيِّ، فَلَا يُعَارِضُ الظَّنُّ الْقَطْعَ، كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُعَارِضُهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ، وَهُوَ أَصْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ١، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ نُكْتَةُ الْمَوْضِعِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِيهِ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ تَضْعِيفٌ لِمُقْتَضَى التَّمَسُّكِ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ وُضِّحَ مَأْخَذُ هَذَا الْأَصْلِ الْحَسَنِ٢، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي مَسْأَلَةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ هِبَةِ الثواب، وفيها نظر.
١ روى المدنيون والمغاربة عن الإمام مالك أن الخبر مقدم على القاعدة، وروى عنه البغداديون تقديم القاعدة المقطوع بها إذا تعذر الجمع بينها وبين الحديث وسيأتي للمصنف في أوائل كتاب الأدلة ناقلا عن ابن العربي أن مشهور قول مالك والذي عليه المعول أن الحديث المعارض لقاعدة إِنْ عَضَّدَتْهُ قَاعِدَةٌ أُخْرَى قَالَ بِهِ، وَإِنْ كان وحده تركه. "خ".
٢ الأحسن منه أن يقال: إن رد الأحاديث ليس بجيد، ويصار إلى ما ذكره المصنف وأبو العباس القرطبي قبله، فيما نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" "٤/ ٧٠" إذا لم يمكن التوفيق، وهنا يمكن التوفيق، كما تراه في "تهذيب السنن" "٣/ ٢٧٢" لابن القيم.