{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} النَّحْلِ: ٣٢ .
وَهُوَ كَثِيرٌ.
وَهَذَا أَيْضًا كَالتَّوَابِعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَبَوِّعَاتِ، كَاسْتِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاسْتِبَاحَةِ الْبِضْعِ مَعَ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَا خِيَرَةَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ، هَذَا مَعَ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَفَضُّلٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَامِلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، اقْتَضَى أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَيْسَ لِلْعَامِلِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا اخْتِيَارٌ، وَلَا فِي يَدِهِ مِنْهُ شيء، فإذن لَا يَصِحُّ فِيهِ تَصَرُّفٌ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مِنْ تَوَابِعِ الْمِلْكِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَلَيْسَ فِي الْجَزَاءِ ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ لِلْعَامِلِ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، كَمَا لَا يَصِحُّ لِغَيْرِهِ.
وَلِلْمُجِيزِ١ أَنْ يَسْتَدِلَّ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
أَنَّ أَدِلَّتَهُ مِنَ الشَّرْعِ هِيَ الْأَدِلَّةُ عَلَى جَوَازِ الْهِبَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا، إِمَّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ عُمُومِهَا أَوْ إِطْلَاقِهَا، وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالِ وَالثَّوَابِ عِوَضٌ مُقَدَّرٌ، فَكَمَا جَازَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّدَقَةِ عَنِ الْغَيْرِ أَنَّهَا هِبَةُ الثَّوَابِ٢، لَا يَصِحُّ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، صَحَّ وُجُودُ الدَّلِيلِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَنْعِ وَجْهٌ.
وَالثَّانِي:
أَنَّ كَوْنَ الْجَزَاءِ مَعَ الْأَعْمَالِ كَالْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ، وَكَالتَّوَابِعِ مَعَ الْمَتْبُوعَاتِ، يَقْضِي بِصِحَّةِ الْمِلْكِ لِهَذَا الْعَامِلِ، كَمَا يَصِحُّ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ صَحَّ التَّصَرُّفُ بِالْهِبَةِ.
لَا يُقَالُ: إِنَّ الثَّوَابَ لَا يُمْلَكُ كَمَا يُمْلَكُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يكون في الدار.
١ وهذا مذهب الحنفية، كما في "فتح القدير" "٣/ ١٤٢"، والحنابلة، كما في "المغني" "٢/ ٥٦٧".
٢ أين هذا؟ فالذي تقدم أنها من باب التصرف المالي، فكأنه أعطى المال للمتصدق عليه، وناب عنه في صرفه فقط، فقد ملكه المال نفسه، والثواب شيء آخر. "د".