وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً١.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ فِي تَوْقِيتِ الشَّارِعِ وَظَائِفُ الْعِبَادَاتِ، مِنْ مَفْرُوضَاتٍ وَمَسْنُونَاتٍ، وَمُسْتَحَبَّاتٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةِ الْأَسْبَابِ ظَاهِرَةٍ وَلِغَيْرِ أَسْبَابٍ، مَا يَكْفِي فِي حُصُولِ الْقَطْعِ بِقَصْدِ الشَّارِعِ إِلَى إِدَامَةِ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الَّذِينَ تَرَهَّبُوا: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} الْحَدِيدِ: ٢٧ ، إِنَّ عَدَمَ مُرَاعَاتِهِمْ لَهَا هُوَ تَرْكُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَالِاسْتِمْرَارِ.
فَصْلٌ:
فَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ حُكْمُ مَا أَلْزَمَهُ الصُّوفِيَّةُ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَوْرَادِ فِي الْأَوْقَاتِ، وَأُمِرُوا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِإِطْلَاقٍ، لَكِنَّهُمْ قَامُوا بِأُمُورٍ لَا يَقُومُ بِهَا غَيْرُهُمْ، فَالْمُكَلَّفُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي عَمَلٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى سُهُولَةِ الدُّخُولِ فِيهِ ابْتِدَاءً حَتَّى يَنْظُرَ فِي مَآلِهِ فِيهِ، وَهَلْ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ طُولَ عُمْرِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ التَّكْلِيفِ فِي نَفْسِهِ، بِكَثْرَتِهِ أَوْ ثِقَلِهِ فِي نَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: مِنْ جهة المداومة عليه وإن كن فِي نَفْسِهِ خَفِيفًا.
وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهَا مِنْ جِهَةِ حَقِيقَتِهَا خَفِيفَةٌ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا مَعْنَى الْمُدَاوِمَةِ ثَقُلَتْ، وَالشَّاهِدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ
١ أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب الصوم، باب صوم شعبان، ٤/ ٢١٣/ رقم ١٩٦٩"، وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها ضمن حديث طويل، وفيه: "وكان إذا صلى صلاة داوم عليها" ومضى لفظه في التعليق على "١/ ٥٢٦".