وَبِسُقُوطِهِ أَيْضًا عَامٌ لَا خَاصٌّ مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ أَوْ عَدَمِهَا لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِنَاءً عَلَى مَنْعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُوهِمًا لِلْخِطَابِ الْخَاصِّ، كَمَرَاتِبِ١ الْإِيغَالِ فِي الْأَعْمَالِ، وَمَرَاتِبِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى الدِّينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذَا الأصل يتضم فَوَائِدَ عَظِيمَةً:
- مِنْهَا: أَنَّهُ يُعْطَى قُوَّةً عَظِيمَةً فِي إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى مُنْكِرِيهِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِبَعْضِ النَّاسِ وَالْحُكْمِ الْخَاصِّ كَانَ وَاقِعًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا، وَلَمْ يُؤْتَ فِيهَا بِدَلِيلٍ عَامٍ يَعُمُّ أَمْثَالَهَا مِنَ الْوَقَائِعِ، فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ- إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخُصُوصُ الْوَاقِعُ غَيْرَ مُرَادٍ، وَلَيْسَ فِي الْقَضِيَّةِ لَفْظٌ يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ فِي إِلْحَاقِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِالْمَذْكُورِ، فَأَرْشَدَنَا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَقَعَتْ إِذْ ذَاكَ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَعْنَى الْقِيَاسِ، وَتَأَيَّدَ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَانْشَرَحَ الصَّدْرُ لِقَبُولِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا يُبْسَطُ فِي كِتَابِ الْأَدِلَّةِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
- وَمِنْهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يَتَحَقَّقُ بِفَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ يَظُنُّ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ جَرَتْ عَلَى طَرِيقَةٍ غَيْرِ طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُمُ امْتَازُوا بِأَحْكَامٍ غَيْرِ الْأَحْكَامِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الشَّرِيعَةِ، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَيُرَشِّحُونَ ذَلِكَ٢ بِمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَجِبُ فِي زكاة كذا،
١ تقدم له أن الناس في ذلك على ضربين: مسقط لحظوظه، وآخذ لها على وجهها الشرعي، أي، فليس الأول مخاطبا بما لم يخاطب به الثاني، حتى يعد من باب تخصيص الخطاب في الشريعة. "د".
٢ أي: يصلحونه ويربونه".