فَقَالَ: عَلَى مَذْهَبِنَا أَوْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: أمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا، فَالْكُلُّ لِلَّهِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِكُمْ، فَكَذَا وَكَذَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ افْتَرَقَ النَّاسُ فِيهِمْ فَمِنْ مصدِّق بِهَذَا الظَّاهِرِ، مُصَرِّحٍ بِأَنَّ الصُّوفِيَّةَ اخْتُصِّتْ بِشَرِيعَةٍ خَاصَّةٍ هِيَ أَعْلَى مِمَّا بُثَّ فِي الْجُمْهُورِ، وَمِنْ مُكَذِّبٍ وَمُشَنِّعٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيَنْسِبُهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى، وَالْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ فِي طَرَفٍ، وَكُلُّ مُكَلَّفٍ دَاخِلٌ تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الْخَلْقِ، كَمَا تَبَيَّنَ آنِفًا، وَلَكِنَّ رُوحَ الْمَسْأَلَةِ الْفِقْهُ فِي الشَّرِيعَةِ١، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ أُبِيحُ لَهُمْ أَشْيَاءَ لَمْ تُبَحْ لِغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ ترقَّوا عَنْ رُتْبَةِ الْعَوَامِّ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الشَّهَوَاتِ، إِلَى رُتْبَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ سُلِبُوا الِاتِّصَافَ بِطَلَبِهَا وَالْمَيْلِ إِلَيْهَا، فَاسْتَجَازُوا لِمَنِ ارْتَسَمَ فِي طَرِيقَتِهِمْ إِبَاحَةَ بَعْضِ الْمَمْنُوعَاتِ فِي الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ عَنِ الْجُمْهُورِ، فَقَدْ ذُكِرَ نَحْوُ هَذَا فِي سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَإِنْ قُلْنَا بِالنَّهْيِ عَنْهُ٢، كَمَا أَنَّ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ مَنِ اسْتَبَاحَ شُرْبَ الْخَمْرِ بِنَاءً عَلَى قَصْدِ التَّدَاوِي بِهَا، وَاسْتِجْلَابِ النَّشَاطِ فِي الطَّاعَةِ، لَا عَلَى قَصْدِ التَّلَهِّي، وَهَذَا بَابٌ فتحته الزنادقة بقولهم: إن
١ وما تقدم له في مراتب الإيغال في الأعمال وأن الناس على ضربين، فيه فقه المسألة، وأنهم كغيرهم داخلون تحت أحكام الشريعة المبثوثة في الخلق. "د".
٢ نقل المصنف عن مالك أنه سئل عن قوم يقال لهم: الصوفية يأكلون كثيرا ثم يأخذون في القصائد ثم يقومون فيرقصون. فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا. أمجانين هم؟ قال: لا، قوم مشايخ عقلاء. فقال مالك: ما سمعت أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هذا إلا أن يكون مجنونا أو صبيا. ثم قال المصنف: "إن ذلك من البدع المحرمات الموقعة في الضلالة المؤدية إلى النار والعياذ بالله".
انظر: "المعيار المعرب" "١١/ ٣٩ وما بعدها"، و"منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية" "ص١٨٨"، و"فتاوى الشاطبي" "ص١٩٣"، و"ترتيب المدارك" "٢/ ٥٣-٥٤".