وَهُوَ عَامٌّ فِي الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ، وَفُرُوعُ الْفِقْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ شَاهِدَةٌ هُنَا كَشَهَادَةِ الْعَادَاتِ، فالموضع مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَا ظَهَرَ فِي الْخَارِقَةِ مِنِ اسْتِقَامَةٍ أَوِ اعْوِجَاجٍ، فَمَنْسُوبٌ إِلَى الرِّيَاضَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالنَّتَائِجُ تَتْبَعُ الْمُقْدِمَاتِ بِلَا شَكٍّ، فَصَارَ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ مُتَعَلِّقًا بِالْخَوَارِقِ مِنْ جِهَةِ مُقَدِّمَاتِهَا، فَلَا تَسْلَمُ لِصَاحِبِهَا، وَإِذْ ذَاكَ لَا تَخْرُجُ عَنِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْجُنُونِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا لَا سَبَبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُكَلَّفِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ تَسَبَّبَ فِي تَحْصِيلِهِ، لَكَانَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ، وَلَتَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ إِلَيْهِ، كَالشُّكْرِ١ وَنَحْوِهِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ حَاكِمٌ عَلَى الْخَوَارِقِ وَغَيْرِهَا، لَا يَخْرُجُ عَنْ حَكَمِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ خَارِقَةٍ حَدَثَتْ أَوْ تَحْدُثُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَصِحُّ رَدُّهَا وَلَا قَبُولُهَا إِلَّا بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ سَاغَتْ هُنَاكَ٢، فَهِيَ صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا الْخَوَارِقُ الصَّادِرَةُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهَا لِأَحَدٍ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ قَطْعًا، فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلِأَجْلِ هَذَا حَكَمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمُقْتَضَى رُؤْيَاهُ، وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} الصَّافَّاتِ: ١٠٢ ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَا انْخَرَقَ مِنَ العادات على يد غير المعصوم.
١ لعله السكر بالسين يدخله على نفسه بشرب المسكر مثلا فيكون معاملا بنتائجه. "د".
٢ في الأصل: "هنالك".