خُصُوصِ مَسْأَلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه} الطَّلَاقِ: ٣ .
وَوِكَالَةُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ وَكَالَةِ غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ هُودٌ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم} الآية هود: ٥٥ ، وَلَمَّا عَقَدَ أَبُو حَمْزَةَ عَقْدًا طُلِبَ بِالْوَفَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُم} النَّحْلِ: ٩١ .
وَأَيْضًا: فَإِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ أُنَاسًا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا أَحَدًا شَيْئًا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا وَقَعَ سَوْطُهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلَيْهِ١، فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: رَبِّ! إِنَّ هَؤُلَاءِ عَاهَدُوا نَبِيَّكَ إذ رَأَوْهُ، وَأَنَا أُعَاهِدُكَ٢ أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: فَخَرَجَ حَاجًّا مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ مَكَّةَ...... إِلَى آخِرِ الْحِكَايَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ الْأَخْذِ بِعَزَائِمَ الْعِلْمِ؛ إِذْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ مَا عَقَدَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَلَيْسَ بجارٍ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَلِكَ لَمَّا حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ٣ الْحِكَايَةَ قَالَ: "فَهَذَا رَجُلٌ عَاهَدَ اللَّهَ، فَوَجَدَ الْوَفَاءَ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَبِهِ فَاقْتَدُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَهْتَدُوا".
وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْأَرْضِ الْمَسْبَعَةِ وَدُخُولُ الْبَرِّيَّةِ بِلَا زَادٍ، فَقَدْ تَبَيَّنَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ وُجُودُ الْأَسْبَابِ وَعَدَمُهَا عِنْدَهُمْ سَوَاءً، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ وَخَالِقُ مُسَبَّبَاتِهَا، فَمَنْ كَانَ هَذَا حاله، فالأسباب عنده
١ أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس ٢/ ٧٢١/ رقم ١٠٤٢"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة ٢/ ١٢١/ رقم ١٦٢٤"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب الصلاة، باب البيعة على الصلوات الخمس ١/ ٢٢٩"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الجهاد، باب البيعة رقم ٢٨٦٧"، وأحمد في "المسند" "٦/ ٢٧" عن عوف بن مالك رضي الله عنه.
٢ في "ط": "عاهدتك".
٣ في "أحكام القرآن" "٣/ ١١١١-١١١٢".