فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَإِذَا قَصَدَ ١ بِهَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ كَانَتْ بِفَرْضِ الْقَاصِدِ وَسَائِلَ لِمَا قَصَدَ لَا مَقَاصِدَ، إِذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا قَصْدَ الشَّارِعِ فَتَكُونَ مَقْصُودَةً، بَلْ قَصَدَ قَصْدًا آخَرَ جَعَلَ الْفِعْلَ أَوِ التَّرْكَ وَسِيلَةً لَهُ؛ فَصَارَ مَا هُوَ عِنْدَ الشَّارِعِ مَقْصُودٌ وَسِيلَةً عِنْدَهُ، وَمَا كَانَ شَأْنُهُ هَذَا نَقْضٌ لِإِبْرَامِ الشَّارِعِ، وَهَدْمٌ لِمَا بَنَاهُ.
وَالسَّادِسُ:
أَنَّ هَذَا الْقَاصِدَ مُسْتَهْزِئٌ بِآيَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّ مِنْ آيَاتِهِ أَحْكَامَهُ الَّتِي شَرَعَهَا، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحْكَامٍ شَرَعَهَا ١: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} الْبَقَرَةِ: ٢٣١ .
وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا غَيْرَ مَا شَرَعَهَا لِأَجْلِهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ حَيْثُ٢ قَصَدُوا بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} التَّوْبَةِ: ٦٥ .
وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَا وُضِعَ عَلَى الْجِدِّ مُضَادَّةٌ لِحِكْمَتِهِ ظَاهِرَةٌ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
وَلِلْمَسْأَلَةِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ؛ كَإِظْهَارِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ قَصْدًا لِإِحْرَازِ الدَّمِ وَالْمَالِ، لَا لِإِقْرَارٍ٣ لِلْوَاحِدِ الْحَقِّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالصَّلَاةِ لِيُنْظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الصَّلَاحِ، وَالذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالْهِجْرَةِ لِيَنَالَ دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةً يَنْكِحُهَا، وَالْجِهَادِ للعصبية أو ينال شرف الذكر في الدنيا، والسلف ليجربه نَفْعًا، وَالْوَصِيَّةِ بِقَصْدِ الْمُضَارَّةِ لِلْوَرَثَةِ، وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِيُحِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا الْإِطْلَاقُ٤ بِأَشْيَاءَ:
- مِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ كَنِكَاحِ الْهَازِلِ وَطَلَاقِهِ وَمَا ذُكِرَ
١ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٢ في "ط": "حين".
٣ في "ط": "للإقرار".
٤ وهو الكلية في رأس المسألة، وبعبارة أخرى نتيجة القياس المشار إليه سابقا. "د".