الْخَصْمَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أُجْرَةً عَلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا، وَامْتُنِعَ قَبُولُ هَدَايَا النَّاسِ لِلْعُمَّالِ ١، وَجَعَلَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام مِنَ الْغُلُولِ٢ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
وَأَمَّا مَضَرَّةُ الدَّافِعِ؛ فَمِنْ جِهَةِ كُلْفَةِ الْقِيَامِ بِالْوَظَائِفِ عِنْدَ التَّعْيِينِ، وَقَدْ يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، أَوْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، وَلَا ضَابِطَ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا تَصِيرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَكَلِّفِ لَهَا أُخَيَّةَ الْجِزْيَةِ، الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ مَشْرُوعٌ إِذَا كَانَتْ مُوَظَّفَةً عَلَى الرِّقَابِ أَوْ عَلَى الْأَمْوَالِ، هَذَا إِلَى مَا يَلْحَقُ فِي ذَلِكَ مِنْ مُضَادَّةِ أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي طُلِبَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا؛ إِذْ كَانَ هَذَا التَّرْتِيبُ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَيْلِ لِجِهَةِ الْمُبَالِغِ فِي الْقِيَامِ بِالْمَصْلَحَةِ، فَيَكُونُ سَبَبًا فِي إِبْطَالِ الْحَقِّ وَإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَجَلِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ نَفْيُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} الشُّعَرَاءِ: ١٠٩ .
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} سبأ: ٤٧ .
{مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} ص: ٨٦ .
إِلَى سَائِرِ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَبِالْوَجْهِ الْآخَرِ٣ عُلِّلَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١ ما بين المعقوفتين سقط من نسخة "ماء/ ص٢٣٦".
٢ كما سيأتي "ص١١٨"، وتخرجيه هناك.
٣ وهو كونه ذريعة إلى الميل ... إلخ، وقد تقدم في كلامه تعليل آخر لهذا وهو ما يلحقه من الظنون والتهم، فيكون فيه ضرر على القائم والمقوم لهم معا، وقد يقال: إن الإجماع علته هذه الذريعة فقط كما يظهر من كلامه، والأول لا يقتضي هذا الإجماع؛ إلا أن يقال: ضمه إليه يقوي سند الإجماع. "د".