وَمِثْلُهُ أَنَّ الْفِدْيَةَ شُرِعَتْ لِلزَّوْجَةِ هَرَبًا مِنْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِي زَوْجِيَّتِهِمَا، فَأُبِيحَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ عِصْمَتَهَا مِنَ الزَّوْجِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا، خَوْفًا من الوقوع في المحظور؛ فهذه بذلت ما لها طَلَبًا لِصَلَاحِ الْحَالِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَهُوَ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، وَهُوَ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مُطَابِقٌ لِلْمَصْلَحَةِ، لَا فَسَادَ فِيهِ حَالًا وَلَا مَآلًا، فَإِذَا أَضَرَّ بِهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ؛ فَقَدْ عَمِلَ هُوَ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ حِينَ أَضَرَّ بِهَا لِغَيْرِ مُوجِبٍ، مَعَ الْقُدْرَةِ١ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ، فَلَمْ يَكُنِ التَّسْرِيحُ إِذَا طَلَبْتَهُ بِالْفِدَاءِ تَسْرِيحًا بِإِحْسَانٍ، وَلَا خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ فِدَاءُ مُضْطَرٍّ وإن كان جائزًا لها فمن٢ جِهَةِ الِاضْطِرَارِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْإِضْرَارِ، وَصَارَ غَيْرَ جَائِزٍ لَهُ إِذْ وُضِعَ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ.
وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَصْلَحَةٍ كُلِّيَّةٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَى مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى الْخُصُوصِ، أَمَّا الْجُزْئِيَّةُ؛ فَمَا يُعْرِبُ عَنْهَا كُلُّ دَلِيلٍ لِحُكْمٍ فِي خاصته، وَأَمَّا الْكُلِّيَّةُ؛ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُكَلَّفٍ تَحْتَ قَانُونٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَاعْتِقَادَاتِهِ؛ فَلَا يَكُونُ كَالْبَهِيمَةِ الْمُسَيَّبَةِ تَعْمَلُ بِهَوَاهَا، حَتَّى يَرْتَاضَ بِلِجَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا صَارَ الْمُكَلَّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَنَّتْ٣ لَهُ يَتَّبِعُ رُخَصَ٤ الْمَذَاهِبِ، وَكُلَّ قَوْلٍ وَافَقَ فِيهَا هَوَاهُ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ التَّقْوَى، وَتَمَادَى فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَنَقَضَ مَا أَبْرَمَهُ الشَّارِعُ٥ وَأَخَّرَ ما قدمه، وأمثال ذلك كثيرة.
١ لأن ذلك في يده دائما. "د". وفي الأصل وقعت: "إلى الوصول".
٢ كذا في "ط"، وفي غيره: "من".
٣ أي: طرأت.
٤ في موضوعنا هي الحيل في تلك المذاهب. "د".
٥ أي: ولم يكن داخلا مع سائر المكلفين تحت القانون العام المعين في هذا التكليف. "د". قلت: في "ط": "الشرع".