اعْتِبَارٌ مِنْ جِهَةِ مَعْقُولِيَّتِهَا.
وَاعْتِبَارٌ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا فِي الْخَارِجِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ أَوِ الْمُخَيَّرَ فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ مَاهِيَّتِهِ مُجَرَّدًا عَنِ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا وَاللَّاحِقَةِ لَهَا؛ كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْصَافُ لَازِمَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الْعَقْلِيُّ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ مَاهِيَّتِهِ بِقَيْدِ الِاتِّصَافِ بِالْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ اللَّاحِقَةِ فِي الْخَارِجِ١، لَازِمَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَهُوَ الِاعْتِبَارُ الْخَارِجِيُّ؛ فَالصَّلَاةُ الْمَأْمُورُ بِهَا مَثَلًا يُتَصَوَّرُ فِيهَا هَذَانِ الِاعْتِبَارَانِ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ مِنَ الْأَنْكِحَةِ وَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا، وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ فِيمَا إِذَا نُظِرَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، أَوِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تُنْقِصُ مِنْ كَمَالِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ.
فَإِذَا صَحَّ الِاعْتِبَارَانِ عَقْلًا؛ فَمُنْصَرَفُ الْأَدِلَّةِ إِلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ هُوَ، ألجهة
= أو لازمة لوجودها؛ كما يقولون في جزئي أي نوع، كما في زيد مثلا: كل مشخصاته الزائدة عن حقيقته النوعية معتبرة جزءًا منه أو كجزء -إذا قلنا ذلك- لزم أن كل ما اقترن به المأمور به في الخارج من كيفيات وأحوال، معتبرة فيه جزءًا له أو كجزء؛ ففي مثل الصلاة في مكان مغصوب يعتبر الشرع الانتفاع بالمغصوب كجزء من الصلاة، فتكون قد تكونت من جزء صحيح وجزء فاسد؛ فتكون فاسدة، وهكذا كل مأمور به اقترن به في الخارج ما فيه مفسدة يكون فاسدًا، على ما سيفصله المؤلف في الفصل التالي من الكلام في الأوصاف السلبية والوجودية. وبهذا البيان تتضح المسألة، ويظهر انسجام أدلتها على كل من هذين النظرين، وتظهر غزارة مادة المؤلف وعلو كعبه في هذا الفن رحمه الله، وسيأتي للمؤلف في المسألة الثالثة في الأوامر والنواهي ما يساعدك على فهم ما قررنا به كلامه هنا، وقد ذكر الآمدي في هذه المسألة في الأوامر، وصحح أن الأمر بالمطلق أمر بالمقيد؛ فراجعه إن شئت. "د".
قلت: انظر أيضا "مجموع فتاوى ابن تيمية" "١٩/ ٢٩٥-٣٠٦".
١ في الأصل: "الخارجة".