مِنْهُ لِيُسْتَعْمَلَ أَوْ لَا يُسْتَعْمَلَ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ إنما جاءن لِتَحْكُمَ عَلَى الْفَاعِلِينَ مِنْ جِهَةِ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، فَإِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ فِي تَنَاوُلِ خَمْرٍ مَثَلًا؛ قِيلَ لَهُ: أَهَذَا خَمْرٌ أَمْ لَا؟ فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي كَوْنِهِ خَمْرًا أَوْ غَيْرَ خَمْرٍ، وَهُوَ مَعْنَى تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، فَإِذَا وُجِدَ فِيهِ أَمَارَةُ الْخَمْرِ أَوْ حَقِيقَتُهَا بِنَظَرٍ مُعْتَبَرٍ؛ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا خَمْرٌ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّ خَمْرٍ حَرَامُ الِاسْتِعْمَالِ. فَيَجْتَنِبُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ: هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ اللَّوْنِ، وَبِذَوْقِ الطَّعْمِ وَشَمِّ الرَّائِحَةِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ؛ فَقَدْ تَحَقَّقَ مَنَاطُهُ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَهِىَ الْمُقَدِّمَةُ النَّظَرِيَّةُ، ثُمَّ يُضِيفُ إِلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ ثَانِيَةً نَقْلِيَّةً، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَاءٍ مُطْلَقٍ؛ فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا نَظَرَ: هَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ فَيَنْظُرُ: هَلْ هُوَ مُحْدِثٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ تَحَقَّقَ الْحَدَثُ؛ فَقَدْ حَقَّقَ مَنَاطَ الْحُكْمِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْوُضُوءِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ فَقْدُهُ؛ فَكَذَلِكَ؛ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبِ الْوُضُوءِ ١، وَهَى الْمُقَدِّمَةُ النَّقْلِيَّةُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ عَلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مُطْلَقَةً٢ وَمُقَيَّدَةً٣، وَذَلِكَ مُقْتَضَى إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ وهي النقلية، ولا ينزل الحكم بها إلى على ما
١ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وفي "ط": " ... مطلوب بالرضى"؟!
٢ في البعض؛ كالقاعدة القائلة: "المرتد يقتل". "د".
٣ وهو الأكثر، كما في قاعدة "القاتل يقتل"؛ أي: إذا لم يكن أبا أو إذا لم يعف أولياء الدم مثلا: وعلى هذا يكون معنى الإطلاق والتقييد وغيرهما في المسألة السابعة، ويظهر أنه لا مانع من جعلهما بالمعنى الآتي في المسألة المذكورة. "د".