تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنَاطُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُقَدِّمَةِ النَّظَرِيَّةِ، وَالْمَسْأَلَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.
نَعَمْ، وَفِي اللُّغَوِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ؛ فَإِنَّا إِذَا قُلْنَا: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا الَّذِي يُرْفَعُ مِنَ الِاسْمَيْنِ وَمَا الَّذِي يُنْصَبُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْفَاعِلِ مِنَ الْمَفْعُولِ، فَإِذَا حَقَّقْنَا الْفَاعِلَ وَمَيَّزْنَاهُ؛ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْمُقَدِّمَةِ ١ النَّقْلِيَّةِ، وَهَى أَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ مَرْفُوعٌ، وَنَصَبْنَا الْمَفْعُولَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ مَنْصُوبٌ، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُصَغِّرَ عَقْرَبًا حَقَّقْنَا أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ؛ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ أَبْنِيَةِ التَّصْغِيرِ بِنْيَةَ "فُعَيْعِلٍ"٢ لِأَنَّ كُلَّ رُبَاعِيٍّ عَلَى هَذِهِ الشَّاكِلَةِ تَصْغِيرُهُ عَلَى هَذِهِ الْبِنْيَةِ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ عُلُومِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا الْعَقْلِيَّاتُ؛ فَكَمَا إِذَا نَظَرْنَا فِي الْعَالَمِ؛ هَلْ هُوَ حَادِثٌ أَمْ لَا؟ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَنَاطِ الْحُكْمِ٣ وَهُوَ الْعَالَمُ، فَنَجِدُهُ مُتَغَيِّرًا، وَهِيَ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى، ثُمَّ نَأْتِي بِمُقَدِّمَةٍ مُسَلَّمَةٍ وَهُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ.
لَكِنَّا قُلْنَا فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَسَائِرِ النَّقْلِيَّاتِ: إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ نَظَرِيَّةً، وَهِيَ الْمُفِيدَةُ لِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ -وَذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ أَيْضًا-، وَالْأُخْرَى نَقْلِيَّةً؛ فَمَا الَّذِي يَجْرِي فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَجْرَى النَّقْلِيَّاتِ؟ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَأَمُّلِهِ.
وَالَّذِي يُقَالُ فِيهِ٤ أَنَّ خَاصِّيَّةَ الْمُقَدِّمَةِ النَّقْلِيَّةِ أَنْ تكون مسلمة إذا تحقق
١ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٢ في الأصل: "فعيل".
٣ مناط الحكم هو الوصف الذي به يندرج في موضوع الكبرى، وهو هنا التغير. "د". وكتب "ف": "المناسب وهو تغير العالم كما يدل عليه سابق الكلام ولاحقه".
٤ هذا يشير غلى أن المقدمة المعتبرة لتحقيق المناط في كل من الشرعيات والعقليات هي المقدمة النظرية، وأما المقدمة الثانية الراجعة إلى الحكم؛ فهي إلى الشرعيات نقلية، وفي العقليات عقلية، وكلتاهما تؤخذ مسلمة. "ف".