وَهُوَ الظُّلْمُ؛ فَإِنَّ أَعْلَاهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} لُقْمَانَ: ١٣ .
ثُمَّ فِي التَّفَاصِيلِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، أَدْنَاهَا مَثَلًا الْبَدْءُ بِالْمَيَاسِرِ١، وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَوْصَافِ وَأَضْدَادُهَا؛ فَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.
فَلِأَجْلِ هَذَا قِيلَ: إِنَّ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأُمُورِ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَتْ عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الْفَرَائِضِ أَوْ مِنَ٢ النَّوَافِلِ فِي الْمَأْمُورَاتِ ومنها ما يكون من المحرمات أومن الْمَكْرُوهَاتِ فِي الْمَنْهِيَّاتِ، لَكِنَّهَا٣ وُكِلَتْ إِلَى أَنْظَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِيَجْتَهِدُوا فِي نَحْوِ هَذِهِ الْأُمُورِ.
كَانَ النَّاسُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ يَتَوَقَّفُونَ عَنِ الْجَزْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَنْ يَقُولُوا: حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، هَكَذَا صُرَاحًا، بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الشَّيْءِ إِذَا سُئِلُوا عَنْهُ: لَا أُحِبُّ هَذَا، وَأَكْرَهُ هَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَ هَذَا، وَمَا أَشْبَهَهُ٤؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُطْلَقَةٌ فِي مَدْلُولَاتِهَا، غَيْرُ مَحْدُودَةٍ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدًا يُوقَفُ عِنْدَهُ لَا يُتعدى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} النَّحْلِ: ١١٦ .
وَقَدْ جَاءَ مِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا الْأَصْلَ زِيَادَةٌ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِيهَا قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} الْآيَةَ: الْأَنْعَامِ: ٨٢ ، فَإِنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الصَّحَابَةُ: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} لُقْمَانَ: ١٣ .
وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
١ انظر الحاشية السابقة.
٢ في "ط": "ومن".
٣ في الأصل: "لأنها".
٤ انظر: "إعلام الموقعين" "١/ ٣١ - وما بعده".