وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْهَمُ١ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَهَذَا نَحْوَ مَا فِي "الصَّحِيحِ"؛ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ ابن كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي؛ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يَا أُبَيُّ! "؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ، وَصَلَّى فخفف فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُبَيُّ! مَا مَنَعَكَ أن تجيبني إذ دَعَوْتُكَ؟ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الْأَنْفَالِ: ٢٤ ؟ ". قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ٢ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ؛ فَهَذَا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِشَارَةٌ٣ إِلَى النَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُعَارِضٌ.
وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ؛ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: "اجْلِسُوا". فَجَلَسَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ له: "تعال يا
١ أي: بمقتضى القرائن، وسيأتي في بيان النظر الثاني ما يتضح به تطبيق وجهة هذا النظر الأول على هذه الآيات والأحاديث التي مثل بها هنا. "د".
٢ مضى تخريجه "ص٢٩٨".
٣ قد يقال: إن الآية مخصصة لآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} التي أوجبت على المصلي ألا يتكلم؛ فالنبي صلى الله صلى الله عليه وسلم يرشده إلى التخصيص، وأنه تجب عليه الاستجابة للرسول -ولو في الصلاة- بمقتضى هذه الآية، على أي وجه نظر إلى الأمر؛ فلا دلالة فيه على غرض المؤلف. "د".