الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ، عَلَى الْقَصْدِ الأول ليس أمرًا بِالتَّوَابِعِ١، بَلِ التوابعُ إِذَا كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا مفتقرةٌ إِلَى اسْتِئْنَافِ أَمْرٍ آخَرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُطْلَقَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالْمُقَيَّدَاتِ؛ فَالتَّوَابِعُ هُنَا رَاجِعَةٌ إِلَى تَأْدِيَةِ الْمَتْبُوعَاتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، والأمرُ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا مُطْلَقًا لَا مُقَيَّدًا، فَيَكْفِي فِيهَا إِيقَاعُ مُقْتَضَى٢ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ؛ فَلَا يَسْتَلْزِمُ إِيقَاعَهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ دُونَ وَجْهٍ، وَلَا عَلَى صِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ وَجْهٍ أَوْ صِفَةٍ عَلَى الْخُصُوصِ، واللفظُ لَا يُشْعَرُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى تَجْدِيدِ أَمْرٍ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُفْتَقِرٌ فِي أَدَاءِ مُقْتَضَى الْمُطْلَقَاتِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ دُونَ غَيْرِهِ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّا إِذَا فَرَضْنَاهُ مَأْمُورًا بِإِيقَاعِ عَمَلٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ مَثَلًا، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ فَالْمَشْرُوعُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ لَا يَكُونُ مَخْصُوصًا بِوَجْهٍ وَلَا بِصِفَةٍ٣ بَلْ أَنْ يَقَعَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَعُ الْأَعْمَالُ الِاتِّفَاقِيَّةُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ؛ فَالْمَأْمُورُ بِالْعِتْقِ مَثَلًا أُمِر بِالْإِعْتَاقِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تقييد
١ المراد بالتوابع هنا ما هو أخص مما سبق له في معناها كما قال بعد: "فالتوابع هنا راجعة ... إلخ" يعني: ليس أمرًا بجزئي خاص من جزئيات المأمور به معتبر من توابعه، وليس المراد أنه ليس أمرًا بأي تابع؛ فذلك لا يصح لأنه فيما سبق اعتبر الأجزاء مثلًا من توابع الكل كما قال في القراءة والذكر والخشوع بالنسبة للصلاة، ولا يعقل أن يقال: إن الأمر بالصلاة مثلا ليس أمرًا بالركعات والقراءات والسجدات، وفائدة المسألة قوله: "وينبني على هذا ... إلخ". "د".
٢ كما تقدم أن المطلوب بالمطلق فرد مما يصدق عليه اللفظ لا فرض خاص، أي: فإذا أريد ذلك الخاص كان لا بد له من دليل يخصه، والمقيدات معتبرة توابع كما تقدم في المسألة الحادية عشرة؛ فإنها جزئيات، والمراد مما قصد بالقصد الأول ما عبر عنه فيها بالجملة، وقوله: "فلا بد من تعيين....إلخ"؛ أي: حيث كانت مأمورًا بها كما هو الفرض. "د".
٣ في "ط": "صفة".