لِخِدْمَةِ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ، وَهُوَ عَلَى وَفْقِ مَا جَرَى فِي مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ؛ فَإِنَّ هَذَا القسم خارج عنها بالجملة.
ويتحقق ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ وُجُوهَ التَّمَتُّعَاتِ هُيِّئَتْ لِلْعِبَادِ أَسْبَابُهَا خَلْقًا وَاخْتِرَاعًا؛ فَحَصَلَتِ الْمِنَّةُ بِهَا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَا تَجِدُ لِلَّهْوِ أَوِ اللَّعِبِ تَهْيِئَةً تَخْتَصُّ١ بِهِ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَبْثُوثَةٌ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ جِهَتِهَا تَعَرُّفٌ بِمِنَّةٍ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الْأَعْرَافِ: ٣٢ .
وَقَالَ: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الرَّحْمَنِ: ١٠-٢٢ .
وَقَوْلِهِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} النَّحْلِ: ٨ .
إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ٢، وَلَا تَجِدُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ تَعَرُّفَ اللَّهِ إِلَيْنَا بِشَيْءٍ خُلِقَ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ حُصُولَ اللَّذَّةِ وَرَاحَةِ النَّفْسِ وَالنَّشَاطِ لِلْإِنْسَانِ مَقْصُودٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَبْثُوثًا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، كَلَذَّةِ الطَّعَامِ، والشراب، والوقاع،
١ أي: لم يخلق شيء ليكون بأصل الخلقة للهو واللعب، ولكن هذين يصرف إليهما ما خلق للفوائد مما يكون قابلًا للتلهي به، ولذلك لم يحصل من جهة اللهو تعرف بالنعم وامتنان بها كما أشار إليه في الآيات، فالأولى جعل الامتنان فيها بإخراج وخلق ما يعدونه زينة لهم، والثانية بذكر الأرض وما فيها من المنافع الغذائية للإنسان، وبالبحرين وأنه يخرج منهما ما به الزينة، ولم يمتن بالتزين بهما، وكذا الآية الثالثة، وقد جعل الزينة فيها تابعة لمنافع الركوب، وهذا كله مما يحقق الوجه الثالث الذي يقول فيه: إنه لم يقع الامتنان باللهو، أي: لأنه إذا لم يخلق شيء يختص بأصل خلقته للهو، فلا يتأتى الامتنان به كذلك. "د".
٢ تتميم لقوله: "وَلَا تَجِدُ لِلَّهْوِ أَوِ اللَّعِبِ تَهْيِئَةً تَخْتَصُّ به في أصل الخلق". "د".