وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي معرض الامتنان بالنعم والتجمل بالأموال والتزين١ لها، وَاتِّخَاذُ السَّكَرِ رَاجِعٌ٢ إِلَى مَعْنَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
- وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِنْ كَانَتْ خَادِمَةً لِضِدِّ الْمَطْلُوبِ بِالْكُلِّ، فَهِيَ خَادِمَةٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ أَيْضًا٣؛ لِأَنَّهَا مِمَّا فِيهِ تَنْشِيطٌ وَعَوْنٌ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوِ الْخَيْرِ، كَمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ بِالْكُلِّ كَذَلِكَ، فَالْقِسْمَانِ مُتَّحِدَانِ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ اسْتِدْعَاءَ النَّشَاطِ وَاللَّذَّاتِ٤ إِنْ كَانَ مَبْثُوثًا٥ فِي الْمَطْلُوبِ بِالْكُلِّ؛ فَهُوَ فِيهِ خَادِمٌ للمطلوب بالفعل، وَأَمَّا إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ؛ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَهَى مَسْأَلَةُ النِّزَاعِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ تَكُونَ اللَّذَّةُ وَالنَّشَاطُ فِيمَا هُوَ خَادِمٌ لِضَرُورِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "كُلُّ لهوٍ بَاطِلٌ إِلَّا ثلاثة" ٦؛
١ في الأصل: "التزين".
٢ بل لا شيء أدخل في باب اللهو من تناول المسكر. "د".
٣ أي: وإن كانت خادمةً لضد بعض المطلوب بالكل، فهي خادمة لبعض آخر منه كالعبادة وفعل الخير؛ لما فيها من تنشيط البدن، وراحة النفس من الأتعاب والهموم الموجبة للفتور والكسل عن الأعمال، عبادة وغيرها. "د".
٤ في الأصل و"ط": "واللذة".
٥ ففرق بين ما يكون استدعاء النشاط تابعًا لخدمة ضروري كما هو القسم الأول وبين ما يكون مجرد لهو، والثاني محل النزاع، والذي يدل لنا الحديثان بعد، ولا يخفى عليك صلاحية هذا الجواب لرد الأدلة الثلاثة المعارضة، بل الأربعة على ما قررناه. "د".
٦ الحديث صحيح بشواهده، كما بينته فيما مضى "١/ ٢٠٢"، ولله الحمد والمنة.