مَطْلُوبٌ بِالتَّوْبَةِ عَنْ تِلْكَ الْمُخَالَفَةِ، مِنْ حَيْثُ هِيَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ١ أَوِ النَّهْيِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ نَاقَضَتِ التَّقَرُّبَ، أَوْ مِنْ حَيْثُ نَاقَضَتْ وَضْعَ الْمَصَالِحِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ كُفْرَانًا لِلنِّعْمَةِ.
وَيَنْدَرِجُ هُنَا الْمُبَاحُ عَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ مِنْ حَيْثُ جَرَى عِنْدَهُمْ مَجْرَى الرُّخَصِ، وَمَذْهَبُهُمُ الْأَخْذُ بِالْعَزَائِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الرُّخَصِ فِيمَا اسْتَطَاعَ الْمُكَلَّفُ؛ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُبَاحِ مَرْجُوحٌ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِذَا كَانَ مَرْجُوحًا؛ فَالرَّاجِحُ الْأَخْذُ بِمَا يُضَادُّهُ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ، وَتَرَكُ شَيْءٍ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ مُخَالَفَةٌ؛ فَالنُّزُولُ إِلَى الْمُبَاحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُخَالَفَةٌ٢ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَةً فِي الْحَقِيقَةِ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ في اليوم سبعين مرة".٣
١ المناسب للطريق الأول في كلامه أن يقول: "مخالفة الأمر والنهي"، كما يناسب أن يزيد بعد قوله: "ناقضت وضع المصالح"؛ فيقول: "أو من حيث لم يأتِ بالفرائض على كمالها المطلوب" ليكون تفريعًا على الشق الثاني من الاعتبار الثاني من الطريق الثاني". "د".
٢ أي: فيحتاج هذا المباح إلى التوبة. "د". وفي "ط": "الوجه مخالف".
٣ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الدعوات: باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة، ١١/ ١٠١/ رقم ٦٣٠٧" عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "والله؛ إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وأخرجه بلفظ المصنف النسائي في "عمل اليوم والليلة" "رقم ٤٣١" عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي آخره "مائة مرة".
وأخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، ٤/ ٢٠٧٥-٢٠٧٦" عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "يا أيها الناس! توبوا إلى الله؛ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة".