ذِكْرَ الْبَعْضِ فِي لَفْظِ١ الْعُمُومِ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذِكْرِ الْبَعْضِ الْجَمِيعَ؛ كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يَمْلِكُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ٢، وَالْمُرَادُ جَمِيعَ الْأَرْضِ، وَضُرِبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ، وَمِنْهُ {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن} الرَّحْمَنِ: ١٧ .
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} ٣ الزُّخْرُفِ: ٨٤ .
فَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ؛ فَلَيْسَ الْمُتَكَلِّمُ بِمُرَادٍ، وَإِذَا قَالَ: أَكْرَمْتُ النَّاسَ، أَوْ قَاتَلْتُ الْكُفَّارَ، فَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ؛ فَاللَّفْظُ عَامٌّ فِيهِمْ خَاصَّةً، وَهُمُ الْمَقْصُودُونَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ دُونَ مَنْ لَمْ يَخْطُرْ بِالْبَالِ.
قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ٤: "وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لَيَضْرِبَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي الدَّارِ وَهُوَ مَعَهُمْ فِيهَا، فَضَرَبَهُمْ وَلَمْ يَضْرِبْ نَفْسَهُ؛ لَبَرَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: اتَّهَمَ الْأَمِيرُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهُمْ؛ فَلَا يَدْخُلُ الْأَمِيرُ فِي التُّهَمَةِ وَالضَّرْبِ".
قَالَ: "فَكَذَلِكَ٥ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي تَعَالَى تَحْتَ الْإِخْبَارِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تعالى: {خَلَقَ كُلَّ شَيْء} الزُّمَرِ: ٦٢ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقْصِدُ ذَلِكَ وَلَا تَنْوِيهِ، وَمِثْلُهُ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الْبَقَرَةِ: ٢٨٢ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَكِنَّ الْإِخْبَارَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ٦ جَمِيعِ الْمُحْدَثَاتِ، وَعِلْمُهُ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ شَيْءٌ آخَرُ".
قَالَ: "فَكُلُّ مَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ نَحْوِ هَذَا، فلا تعرض فيه لدخوله تحت
١ أي: في مكان لفظ العموم؛ فيكون اللفظ دالًّا على البعض، وهو يريد الجميع. "د".
٢ وهذا من باب الكناية التي تفيد المطلوب بدليل؛ فهي أوقع في باب الإفادة لأن من ملك حدي الشيء فقد ملك جميعه إلى نهايته. "د".
٣ فهو إله معبود فيهما وفيما يتبعهما أيضًا لا في خصوصهما. "د".
٤ له شرح على كتاب سيبويه لم يطبع، ولعل النقل منه.
٥ في "ط": "وكذلك".
٦ في "ط": "على".