وَقَالَ: "أَيْضًا فِيمَا إِذَا تَوَاطَأَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ". قَالَ: "لِأَنَّ اعْتِيَادَ جَمِيعِ النَّاسِ لِتَأْخِيرِهَا مُفْضٍ بِالصَّغِيرِ النَّاشِئِ إِلَى اعْتِقَادِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَقْتُ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ".
وَأَشَارَ إِلَى نَحْوِ هَذَا فِي مَسَائِلَ أُخَرَ، وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ اعْتِرَاضِ الْمُحْتَسِبِ عَلَى أهل القرية في إقامة الجمعة بجماعة اختلفت فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ فِي بَعْضِ وُجُوهِهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ هُوَ يَرَى إِقَامَتَهَا وَهُمْ لَا يَرَوْنَهَا١، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِإِقَامَتِهَا عَلَى رَأْيِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِئَلَّا يَنْشَأَ الصَّغِيرُ عَلَى تَرْكِهَا، فَيَظُنُّ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ كَمَا تَسْقُطُ بِنُقْصَانِهِ.
وَهَذَا الْبَابُ يَتَّسِعُ، وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَقْوِيَةِ اعْتِبَارِ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَشْبَاهِهَا مِمَّا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ قِصَّةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ حِينَ نَكَتَ بِالْخَيْزُرَانَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ غَرَّتْنِي مِنْكَ -لِسَجْدَتِهِ الَّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ-، وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً مِنْ بَعْدِي؛ لَأَمَرْتُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ فَقُوِّرَ"٢.
وَقَدْ عَوَّلَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَجَعَلُوهُ أَصْلًا يَطَّرِدُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الَّذِي اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِعْمَالِهِ فِي الْجُمْلَةِ وإن اختلفوا في التفاصيل؛ كقوله تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا ٣ وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} البقرة: ١٠٤ .
١ انظر: "الحاوي الكبير" "٢/ ٣٨٣".
٢ ذكره ابن عبد الحكم في "سيرة عمر بن عبد العزيز" "ص١١٤"، وابن رشد في "البيان والتحصيل" "١/ ٤٨٦".
٣ كان اليهود يذكرون الكلمة سبًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يريدون بها, لعنهم الله: اسمع لا سمعت؛ فنهوا عنها.
كما روي أن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- سمعها منهم فقال: يا أعداء الله! عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده؛ لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربن عنقه. قالوا: أَوَلستم تقولونها؟ فنزلت الآية نهيًا للمؤمنين عن قولها؛ سدًّا للباب، وقطعًا للألسنة، وبعدًا عن المشابهة. ا. هـ. "ف".