الْحَشْرِ: ١٣ ، وَهَذَا عَدَمُ فِقْهٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ هُوَ مُصَرِّفُ الْأُمُورِ؛ فَهُوَ الْفَقِيهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} الْحَشْرِ: ١٣ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} التَّوْبَةِ: ١٢٧ لِأَنَّهُمْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ١ إِلَى بَعْضٍ: هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا.
فَاعْلَمْ٢ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا نَفَى الْفِقْهَ أَوِ الْعِلْمَ عَنْ قَوْمٍ؛ فَذَلِكَ لِوُقُوفِهِمْ مَعَ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِمْ لِلْمُرَادِ مِنْهُ، وَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ لِفَهْمِهِمْ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ خِطَابِهِ، وَهُوَ بَاطِنُهُ.
فَصْلٌ:
فَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَعَانِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَا يَنْبَنِي فَهْمُ الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَيْهَا؛ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الظَّاهِرِ.
فَالْمَسَائِلُ الْبَيَانِيَّةُ وَالْمَنَازِعُ الْبَلَاغِيَّةُ لَا مَعْدِلَ بِهَا عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِذَا فُهِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ ضَيِّقٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ٣} الْأَنْعَامِ: ١٢٥ ، وَبَيْنَ ضَائِقٍ فِي قَوْلِهِ: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُك} هُودٍ: ١٢ .
١ أي: لأن المنافقين حينما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض، وهم في محفل تبليغ الوحي ليتواطئوا على الهرب كراهة سماعها، قائلين إشارة: هل يراكم من أحد من المسلمين إذا قمتم من المجلس؟ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} الآية التوبة: ١٥٧ . "ف".
٢ لعله: "واعلم" بصيغة الأمر وبالواو. "ف".
٣ صفة مشبهة دالة على الثبوت والدوام في حق من يريد الله أن يضله بخلاف "ضائق" اسم الفاعل الدال على الحدوث والتجدد، وأنه أمر عارض له, صلى الله عليه وسلم. "د".