الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
كَوْنُ الظَّاهِرِ هُوَ الْمَفْهُومُ الْعَرَبِيُّ مُجَرَّدًا لَا إِشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالِفَ وَالْمُخَالِفَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُنَزَّلٌ {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين} الشُّعَرَاءِ: ١٩٥ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} النَّحْلِ: ١٠٣ .
ثُمَّ رَدَّ الْحِكَايَةَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} النَّحْلِ: ١٠٣ .
وَهَذَا الرَّدُّ عَلَى شَرْطِ الْجَوَابِ فِي الْجَدَلِ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ بِلِسَانِهِمْ، وَالْبَشَرُ هُنَا حَبْرٌ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، أَوْ سَلْمَانُ١، وَقَدْ كَانَ فَارِسِيًّا فَأَسْلَمَ، أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَنْ كَانَ لِسَانُهُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} فُصِّلَتْ: ٤٤ .
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ عَرَبِيٌّ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَقَدَ كَانُوا فَهِمُوا مَعْنَى أَلْفَاظِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَرَبِيٌّ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي ظَاهِرِهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَرَيَانِ عَلَى اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ.
فَإِذًا كَلُّ مَعْنًى مُسْتَنْبَطٍ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرِ جَارٍ عَلَى اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ؛ فَلَيْسَ٢ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ، لَا مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْهُ، وَلَا مِمَا يُسْتَفَادُ بِهِ، وَمَنِ ادَّعَى فِيهِ
١ أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قوله؛ كما في "الدر المنثور" "٥/ ١٦٨"، وهو مردود بأن الآية مكية، وسلمان أسلم في المدينة، وتجد أقوالًا أخرى عند ابن جماعة في "غرر التبيان في من لم يسم في القرآن" "ص٣٠٥"، ولم يذكر سلمان من بينها.
٢ سيأتي في الفصل التالي زيادة بيان لهذا وتقرير. "د".