إِحْدَاهَا, وَهِيَ الْآكَدُ فِي الْمَقَامِ: بَيَانُ الْأَوْصَافِ الْمُكْتَسَبَةِ لِلْعَبْدِ الَّتِي إِذَا اتَّصَفَ بِهَا رَفَعَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون ... } إِلَى قَوْلِهِ: {هُمْ فِيهَا خَالِدُون} الْمُؤْمِنُونَ: ١-١١ .
وَالثَّانِيَةُ: بَيَانُ أَصْلِ التَّكْوِينِ لِلْإِنْسَانِ وَتَطْوِيرِهِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ جَارِيًا عَلَى مَجَارِي الِاعْتِبَارِ١ وَالِاخْتِيَارِ، بِحَيْثُ لَا يَجِدُ الطَّاعِنُ إِلَى الطَّعْنِ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ سَبِيلًا.
وَالثَّالِثَةُ: بَيَانُ وُجُوهِ الْإِمْدَادِ لَهُ مِنْ خَارِجٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فِي التَّرْبِيَةِ وَالرِّفْقِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى إِقَامَةِ الْحَيَاةِ، وَأَنَّ ذلك له بتسخير السموات وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَكَفَى بِهَذَا تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا.
ثُمَّ ذَكَرَتْ قَصَصَ مَنْ تَقَدَّمَ مَعَ٢ أَنْبِيَائِهِمْ واستهزاءهم بِهِمْ بِأُمُورٍ مِنْهَا كَوْنُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ؛ فَفِي قصة نوح مع قومه قولهم: {قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} الْمُؤْمِنُونَ: ٢٤ .
ثُمَّ أَجْمَلَ ذِكْرَ قَوْمٍ آخَرِينَ أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ؛ أَيْ: مِنَ الْبَشَرِ لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ فَقَالُوا: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} الْآيَةَ الْمُؤْمِنُونَ: ٣٣ .
{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} الْمُؤْمِنُونَ: ٣٤ .
{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الْمُؤْمِنُونَ: ٣٨ ؛ أَيْ: هُوَ مِنَ الْبَشَرِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} الْمُؤْمِنُونَ: ٤٤ .
فَقَوْلُهُ: {رَسُولُهَا} مُشِيرًا إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَسُولُهَا الذي تعرفه منها.
١ في "ط": "الاعتناء".
٢ في "ط": "من".