وَالِاسْتِقْرَاءُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، وَيَسْهُلُ عَلَى مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمَّا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ كَذَلِكَ قَالُوا بِهِ وَنَصُّوا عَلَيْهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ.
وَمَنْ تَشَوَّفَ إِلَى مَزِيدٍ؛ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحَاجِيَّاتِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ، وَالرِّفْقِ.
فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الدِّينِ يَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ شَرْعِيَّةٍ الرُّخَصُ فِي الطَّهَارَةِ؛ كَالتَّيَمُّمِ، وَرَفْعِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ فِيمَا إِذَا عَسُرَ إِزَالَتُهَا، وَفِي الصَّلَاةِ بِالْقَصْرِ، وَرَفْعِ الْقَضَاءِ فِي الْإِغْمَاءِ، وَالْجَمْعِ، وَالصَّلَاةِ قَاعِدًا وَعَلَى جَنْبٍ، وَفِي الصَّوْمِ بِالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ؛ فَالْقُرْآنُ إِنْ نَصَّ عَلَى بَعْضِ التَّفَاصِيلِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فَذَاكَ، وَإِلَّا؛ فَالنُّصُوصُ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ فِيهِ كَافِيَةٌ، وَلِلْمُجْتَهِدِ إِجْرَاءُ الْقَاعِدَةِ وَالتَّرَخُّصُ بِحَسَبِهَا، وَالسُّنَّةُ أَوَّلُ قَائِمٍ بِذَلِكَ.
وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّفْسِ أَيْضًا يَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَوَاضِعُ الرُّخَصِ؛ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَشَرْعِيَّةِ الْمُوَاسَاةِ بِالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَإِبَاحَةِ١ الصَّيْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ٢ فِيهِ مِنْ إِرَاقَةِ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ٣ مَا يَتَأَتَّى بِالذَّكَاةِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَفِي التَّنَاسُلِ مِنَ الْعَقْدِ عَلَى الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ، وَإِجَازَةِ بَعْضِ الْجَهَالَاتِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى تَرْكِ الْمُشَاحَّةِ كَمَا فِي الْبُيُوعِ، وَجَعْلِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا دُونَ مَا هُوَ أَكْثَرُ٤، وَإِبَاحَةِ الطلاق من أصله، والخلع، وأشباه ذلك.
١ فالإباحة هنا رخصة دعا إليها رفع الحرج، وإن كانت الذبائح والصيد عدهما فيما تقدم آنفًا من مكملات حفظ النفس. "د".
٢ في "ط": "تأت".
٣ لأن الدم الخبيث في الحيوان لا ينفصل جميعه عن الجسم حتى يطهر الجسم منه إلا إذا خرج من منفذ عام للدم كالودجين. "د".
٤ ففي التقييد بالثلاث رفع الحرج وتيسير للمرأة بكونها بعد الثلاث صار لا شأن له معها تتزوج من تشاء، وهذا يساعد حفظ النسل فيه رفع حرج كبير يعرفه من أهل الملل من ليس عندهم طلاق، وإسراف الناس فيه في هذا الزمان ليس من أصل تشريعه، بل من عدم العمل بأوامر الشريعة ونواهيها المكملة له، الواردة في الكتاب والسنة، من بعث الحكمين وغيره. "د".