الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا نَاضَلَ بِهِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ" ١، وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْقِيَامَةِ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ عَنْ رُتْبَةِ الشَّفَاعَةِ بِمَا يَذْكُرُهُ٢، وَكَذَلِكَ نُوحٌ؛ فَثَبَتَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْخَطِيئَةِ هُنَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِ٣ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِبَارِ مِنَ الْعَبْدِ فِيمَا تَطْلُبُهُ بِهِ الْمَرْتَبَةُ؛ فَكَذَلِكَ قِصَّةُ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي مَسْأَلَةِ الْقَسْمِ٤.
وَقَدْ مَدَدْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ النَّفَسِ لِشَرَفِهِ، وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ؛ لِبُيِّنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ، وَتَطْمَئِنُّ إِلَى بَيَانِهِ النَّفْسُ، مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَفِي آخِرِ٥ فَصْلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي أَيْضًا مِمَّا يَتَمَهَّدُ بِهِ هَذَا الْأَصْلُ، وَقَدْ حَصَلَ مِنَ الْمَجْمُوعِ أَنَّ التَّرْكَ هُنَا٦ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ، لَكِنِ النَّهْيُ الِاعْتِبَارِيُّ.
وَأَمَّا السَّادِسُ؛ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى التَّرْكِ الَّذِي يقتضيه النهي لأنه من باب
١ مضى تخريجه "ص٤١٤"، وهو في "الصحيحين" عن أبي هريرة.
٢ وهو قوله: "وإني كنت كذبت ... إلخ"، وكذلك نوح إذ يقول: "إني كانت لي دعوة دعوت بها على قومي". "د".
قلت: ورد ذلك في حديث الشفاعة المشار إليه آنفًا، وهو في "الصحيحين".
٣ في "م": "قبيل".
٤ والحديث مرسل وليس بصحيح، كما بيناه قريبًا "ص٤٣٠".
٥ في المسألة الثامنة عشرة، وفيها أنه إذا رجع الأمر إلى الأصل والنهي إلى المآل يكون من باب سد الذرائع، وقوله: "هذا الأصل"؛ أي: وهو أن الترك محله في الأصل غير المأذون فيه، وتمهيده للوجه الثالث منه ظاهر، ولو ذكر هذا هناك؛ لكان أوضح. "د".
٦ أي: في الوجه الخامس. "د".