الْأَخْذُ مِنْ أَقَاوِيلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ بِأَيِّهَا شَاءَ، دُونَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا وَلَا يَمِيلَ١ إِلَى مَا مَالَ مِنْهَا لِوَجْهٍ يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ، فَيَقْضِي فِي قَضِيَّةٍ بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَإِذَا٢ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لَا لِرَأْيٍ تَجَدَّدَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ".
قَالَ: "وَلَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُهُ٣ أَنَّهُ اكْتَرَى جُزْءًا مِنْ أَرْضٍ عَلَى الْإِشَاعَةِ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا آخَرَ اكْتَرَى بَاقِيَ الْأَرْضِ، فَأَرَادَ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَغَابَ عَنِ الْبَلَدِ، فَأَفْتَى الْمُكْتَرِي الثَّانِي بِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ أن لا شُفْعَةَ فِي الْإِجَارَاتِ، قَالَ لِي: فَوَرَدْتُ مِنْ سَفَرِي، فَسَأَلْتُ أُولَئِكَ الْفُقَهَاءَ -وَهُمْ أَهْلُ حِفْظٍ فِي الْمَسَائِلِ وَصَلَاحٍ فِي الدِّينِ- عَنْ مَسْأَلَتِي؛ فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَكَ؛ إِذْ كَانَتْ لَكَ الْمَسْأَلَةُ أَخَذْنَا لَكَ بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا. فَأَفْتَانِي جَمِيعُهُمْ بِالشُّفْعَةِ، فَقُضِيَ لِي بِهَا".
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ عَنْ كَبِيرٍ من فقهاء هذا المصنف مَشْهُورٍ بِالْحِفْظِ وَالتَّقَدُّمِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مُعْلِنًا غَيْرَ مُسْتَتِرٍ: إِنَّ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إِذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ".
قَالَ الْبَاجِيُّ: "وَلَوِ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ مَا اسْتَجَازَهُ، وَلَوِ اسْتَجَازَهُ لَمْ يُعْلِنْ بِهِ وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ".
قَالَ: "وَكَثِيرًا مَا يَسْأَلُنِي مَنْ تَقَعُ لَهُ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْأَيْمَانِ ونحوها: لعل فيها رواية؟ أم لَعَلَّ فِيهَا رُخْصَةً؟ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو
١ أي: ولا يلزم أن يكون ميله إلى أحد هذه الأقوال بمقتضى وجه ومرجح؛ إلا أنه يبقى الكلام في معنى كون هذا نظرًا واستدلالًا، وأي شبهة ولو ضعيفة لهذا الزعم مع قوله: "لا يميل.... إلخ"؟ "د".
٢ في "ط": "فإذا".
٣ في "د": "أوثقه"، وما أثبتناه من الأصل و"ف" و"م" و"ط".