وقد بنوا أيضً عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةً أُخْرَى، وَهِيَ:
هَلْ يَجِبُ الْأَخْذُ بِأَخَفِّ الْقَوْلَيْنِ، أَمْ١ بِأَثْقَلِهِمَا٢؟ وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِالْأَخَفِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} الْآيَةَ: الْبَقَرَةِ: ١٨٥ .
وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} الْحَجِّ: ٧٨ .
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" ٣.
وقوله: "بعُثِْتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحة" ٤.
كل ذَلِكَ يُنَافِي شَرْعَ الشَّاقِّ٥ الثَّقِيلِ، وَمِنْ جِهَةِ القياس أن الله غني
١ في "ف" و"م": "أو".
٢ حكاه أبو منصور عن أهل الظاهر، وهذا القول ومقابله لا يصحان؛ لأن الواجب -كما قال المؤلف- الرجوع للدليل الشرعي لا غير، وسواء أقضى بالأخف أم بالأثقل، ثم في القول بالأخذ بالأخف مطلقًا ما تقدم من المفاسد التي أشيير إليها في الفصل السابق. "د".
قلت: والقائلون بالأخذ بأثقل القولين ذهبوا إليه للاحتياط!! ويرد عليهم بأن الاحتياط هو "الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من غير غلو ومجاوزة، ولا تقصير، ولا تفريط، فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله" قاله ابن القيم في كتابه "الروح" "ص٣٤٦". انظر في المسألة: "البحر المحيط" "٦/ ٣٢٢-٣٢٣، ٣٢٥-٣٢٦"، و"البرهان" "٢/ ١٣٤٤"، و"شرح الكوكب المنير" "٤/ ٥٨١"، و"المستصفى" "٢/ ٣٩١"، و"روضة الناظر" "٣/ ١٠٢٦"، و"المسودة" "٤٦٣-٤٦٤"، و"تسير التحرير" "٤/ ٢٥٥"، و"إرشاد الفحول" "٢٧١"، و"جمع الجوامع" "٢/ ٣٩٢ - مع شرح المحلي"، و"إغاثة اللهفان" "١/ ١٦٢-١٦٣"، و"الاختلاف وما إليه" "١٠٣-١٠٤".
٣ مضى تخريجه "٢/ ٧٢".
٤ مضى تخريجه "٢/ ٢١١".
"٥" في "ماء": "المشاق".