حَلَالٌ، وَمَا وَصَفْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي الشِّدَّةِ، كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَحْذَرَ أَوْ تُحَيَّرَ أَوْ تَخْشَى. فَقَالَ قَائِلُهُمْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! فَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَسَمَّى عِدَّةً مَعَهُمَا كَانُوا يَشْرَبُونَ الْحَرَامَ؟ فَقُلْتُ١ لَهُمْ: دَعُوا عِنْدَ الِاحْتِجَاجِ تَسْمِيَةَ الرِّجَالِ؛ فَرُبَّ رَجُلٍ فِي الْإِسْلَامِ مَنَاقِبُهُ كَذَا وَكَذَا وَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُ زَلَّةٌ، أَفَلِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَا؟ فَإِنْ أَبَيْتُمْ؛ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ؟ قَالُوا: كَانُوا خِيَارًا. قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا قَوْلُكُمْ فِي الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالُوا: حَرَامٌ. فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ رَأَوْهُ حَلَالًا فَمَاتُوا وَهُمْ يَأْكُلُونَ الْحَرَامَ، فَبَقُوا وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ". هَذَا مَا حُكِيَ٢.
وَالْحَقُّ مَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} الْآيَةَ النِّسَاءِ: ٥٩ .
فَإِذَا كَانَ بَيِّنًا ظَاهِرًا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ أَوْ لِلسُّنَّةِ، لَمْ يَصِحَّ الاعتدادُ بِهِ وَلَا البناءُ عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ هَذَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي إِذَا خَالَفَ النَّصَّ أَوِ الْإِجْمَاعَ، مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ مبنيٌّ عَلَى الظَّوَاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَلَا يُنْقَضُ مَعَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ وَإِنْ تَبَيَّنَ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ نَصْبِ الْحَاكِمِ تُنَاقِضُ٣ نَقْضَ حُكْمِهِ، وَلَكِنْ يُنْقَضُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
-وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِمَادُهَا خِلَافًا فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لأنها لم
١ استفهام إنكاري، أي: يلزم على رأيك أنهم كانوا يشربون المحرم. "د".
٢ ذكر مناظرة ابن المبارك هذه للكوفيين مختصرة بسنده البيهقي في "السنن الكبرى" "٨/ ٢٨٩-٢٩٩".
٣ وإلا، لصح النظر في النقض أيضًا، وفي نقض النقض ويتسلسل، فلا ينفذ حكم، فتتعطل المصالح. "د".