وَهَذَا كُلُّهُ نَظَرٌ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ بِالنَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى مَفْسَدَةٍ تُوَازِي مَفْسَدَةَ مُقْتَضَى النَّهْيِ أَوْ تَزِيدُ.
وَلِمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ دَلِيلٌ عَامٌّ مُرَجِّحٌ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَصْلِهِ فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامِلَ بِالْجَهْلِ مُخْطِئًا فِي عَمَلِهِ لَهُ نَظَرَانِ:
نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبْطَالَ.
وَنَظَرٌ مِنْ جِهَةِ قَصْدِهِ إِلَى الْمُوَافَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ مَدَاخِلَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَحْكُومٌ لَهُ بِأَحْكَامِهِمْ، وَخَطَؤُهُ أَوْ جَهْلُهُ لَا يَجْنِي عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ عَنْ حُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَتَلَافَى لَهُ حُكْمٌ يُصَحِّحُ لَهُ بِهِ مَا أَفْسَدَهُ بِخَطَئِهِ وَجَهْلِهِ وَهَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنِ الْحُكْمِ لَهُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لَمْ يُعَانِدِ١ الشَّارِعَ، بَلِ اتَّبَعَ شَهْوَتَهُ غَافِلًا عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة} الْآيَةَ النِّسَاءِ: ١٧ .
وَقَالُوا: إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَعْصِي إِلَّا وَهُوَ جَاهِلٌ، فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْجَاهِلِ، إِلَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْإِبْطَالِ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ جَانَبُ التَّصْحِيحِ لَيْسَ لَهُ مَآلٌ يُسَاوِي أَوْ يَزِيدُ، فَإِذْ ذَاكَ لَا نَظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ، مَعَ٢ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْإِبْطَالِ إِلَّا بعد النظر في المآل وهو المطلوب.
١ في "ط": "لا يعاند".
٢ أي: فلم يخالف القاعدة حينئذ. "د".