وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَاعِدَةُ الِاسْتِحْسَانِ١، وهو -في مذهب
١ لهم في الاستحسان عبارات: منهم أنه العدول عن قياس إلى قياس أقوى، ومنها تخصيص قياس بأقوى منه، وعلى هذين لا يخالف فيه أحد، إلا انه ليس دليلًا شرعيًا زائدًا، ومنها دليل ينقدح في ذهن المجتهد يعسر عليه التعبير عنه، فإن كان بمعنى أنه مؤد إلى الشك فيه، فباطل أن يكون دليلًا، وإن كان على أنه ثابت متحقق، فليس بزائد عن الأدلة، ومنها العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس، كدخول الحمام، والشرب من السقاء، مما لا يحدد فيه زمان الانتفاع ولا مقدار المأخوذ من الماء، فقيل عليه: إن كانت العادة ثابتة في زمنه عليه السلام، فقد ثبت الحكم بالسنة لا بالاستحسان، وإن كانت في عصر الصحابة من غير إنكار منهم فإجماع، وإن كانت غيره عادة، فإن كان نصا أو قياسًا مما ثبتت حجيته، فقد ثبت بذلك كالأمثلة التي ذكرها المؤلف من القرض والعرية وجمع الصلاتين، وكذا سائر الترخصات التي وردت أدلتها بالنص أو القياس، وبه تعلم ما في قوله: "هذا نمط من الأدلة ... إلخ"، وقوله: "وله في الشرع أمثلة ... إلخ" الذي يفيد ظاهره أن هذه المواضع مما فيه تقديم الاستدلال المرسل على القياس، وليس كذلك إذ هي ثابتة بالنص، وأما إن كان شيئًا آخر لم يثبت حجيته، فهو مردود، قال الباجي١: "الاستحسان الذي ذهب إليه أصحاب مالك هو العدول إلى أقول الدليلين، كتخصيص بيع رطب العرايا من بيع٢ الرطب بالتمر"، قال: "وهذا هو الدليل، فإن سموه استحسانًا، فلا مشاحة في التسمية"٣، قال ابن الأنباري: "الذي يظهر من مذهب مالك القول بالاستحسان لا على المعنى السابق، بل هو استعمال مصلحة جزئية في قياس كلي، فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياس، ومثاله لو اشترى سلعة بالخيار ثم مات فاختلفت ورثته في الإمضاء والرد، قال أشهب: القياس الفسخ، ولكنا نستحسن إذا قبل البعض الممضي نصيب الراد إذا امتنع البائع من قبوله أن نمضيه"، قال ابن الحاجب: "لا يتحقق استحسان مختلف فيه"، وتبعه على ذلك من بعده. "د".
قلت: انظر عن الاستحسان: "الاعتصام" "٢/ ١٣٦-١٤٦ - ط رشيد رضا"، و"الإحكام" =