جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ أَفْعَالَهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَأَقْوَالِهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَثَبَتَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ النَّبِيِّ وَنَائِبٌ مَنَابَهُ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَحَلٌّ لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا، فَمَا قُصِدَ بِهَا الْبَيَانُ وَالْإِعْلَامُ؛ فَظَاهَرٌ، وَمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَارِثٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُوَرِّثُ قُدْوَةً ١ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مُطْلَقًا٢؛ فَكَذَلِكَ٣ الْوَارِثُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَنْتَصِبَ أَفْعَالُهُ مُقْتَدًى بِهَا كَمَا انْتَصَبَتْ أَقْوَالُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّأَسِّيَ بِالْأَفْعَالِ -بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُعظَّم فِي النَّاسِ- سِرٌّ مَبْثُوثٌ فِي طِبَاعِ٤ الْبَشَرِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا بِحَالٍ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاعْتِيَادِ وَالتَّكْرَارِ، وَإِذَا صَادَفَ مَحَبَّةً وَمَيْلًا إِلَى الْمُتَأَسَّى بِهِ، وَمَتَى وَجَدْتَ٥ التَّأَسِّيَ بِمَنْ هَذَا شَأْنُهُ مَفْقُودًا فِي بَعْضِ النَّاسِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا تُرِكَ لتأسٍ آخَرَ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ٦ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَحَلَّيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حِينَ دَعَاهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ؛ فَكَانَ مِنْ آكَدِ مُتَمَسَّكَاتِهِمُ التَّأَسِّي بِالْآبَاءِ٧؛ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}
١ ما بين المعقوفتين سقط في "ف" و"م".
وفي "ماء": "الموروث مقتدى"، وفي "ط": "الموروث يقتدى".
٢ أي: سواء أقصد به البيان أم لم يقصد. "د".
٣ ولعل أصل العبارة: مطلقًا كذلك فكذلك. إلخ. "ف".
٤ وهل يكفي هذا لأن يكون دليلًا شرعيًا على شرعية التأسي بالمفتي ولو لم يقصد البيان؟ "د".
٥ في "م": "وجد".
٦ أي: ترك التأسي لتأسٍ آخر. "د".
٧ فصل المصنف الكلام على هذا في كتابه "الاعتصام" "٢/ ٦٨٨-٦٩٠ - ط ابن =