مَا لَا يَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} النُّورِ: ١٢ .
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} النُّورِ: ١٦ .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يبْن عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَلَا اعْتُبِرَ فِي عَدَالَةِ شَاهِدٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ بـ مجرد هَذَا التَّحْسِينِ؛ حَتَّى تَدُلَّ الْأَدِلَّةُ الظَّاهِرَةُ الْمُحَصِّلَةُ لِلْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ الْغَالِبِ.
فَإِذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ مَأْمُورًا بِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مُسْلِمٍ عَدْلًا عِنْدَ المحسِّن بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّحْسِينِ حَتَّى تَحْصُلَ الْخِبْرَةُ أَوِ التَّزْكِيَةُ١؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ تَحْسِينِ الظَّنِّ بِأَمْرٍ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَإِذَا لَمْ يُثْبِتْهُ لَمْ ينبنِ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَتَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْأَفْعَالِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ.
وَمِثَالُهُ كَمَا إِذَا فَعَلَ الْمُقْتَدَى بِهِ فِعْلًا يُحتمل أَنْ يَكُونَ دِينِيًّا تَعَبُّدِيًّا، ويُحتمل أَنْ يَكُونَ دُنْيَوِيًّا رَاجِعًا إِلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ على تعين أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ؛ فَيَحْمِلُهُ هَذَا الْمُقْتَدِي عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدَى بِهِ إِنَّمَا قَصَدَ الْوَجْهَ الدِّينِيَّ لَا الدُّنْيَوِيَّ بِنَاءً عَلَى تَحْسِينِهِ الظَّنَّ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقْتَدَى بِهِ مَثَلًا، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ خَالَفَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ يَسْتَلْزِمُ٢ الْمُطَابَقَةَ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا لَمَا أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ بِقَيْدِ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْمُطَابَقَةَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَالِاقْتِدَاءُ بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّحْسِينِ بِنَاءٌ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ نَفْسِهِ لَا عَلَى أَمْرٍ٣ حَصَلَ لِذَلِكَ الْمُقْتَدَى بِهِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءً على ما
١ في "ط": "والتزكية".
٢ في "ط": "ويلتزم".
٣ وهو قصده في الواقع بهذا الفعل التعبد، وقوله: "على ما عند المقتدى به"؛ أي: كما يقتضيه معنى الاقتداء. "د".