الرَّبَّانِيِّ، بِدَلِيلِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُنَا يُقَالُ لِمَنْ حَكَّمَهُ١: فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ عَنْ مَاذَا تَسَبَّبَ؟ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟! " ٢.
فَإِذَا كَانَتِ الْأَسْبَابُ مَعَ الْمُسَبَّبَاتِ دَاخِلَةً تَحْتَ قُدْرَةِ اللَّهِ؛ فَاللَّهُ هُوَ الْمُسَبِّبُ، لَا هِيَ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَاعْتِبَارِهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ مُسَبِّبُهُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ٣.
وَتَرْكُ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمُسَبَّبِ لَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:
أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ابْتِلَاءٌ لِلْعِبَادِ وَامْتِحَانٌ لَهُمْ لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَابَ وَالْمُسَبَّبَاتِ مَوْضُوعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ ابْتِلَاءً لِلْعِبَادِ ٤ وَامْتِحَانًا لَهُمْ؛ فَإِنَّهَا طَرِيقٌ إِلَى السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَهِيَ عَلَى ضربين:
١ بأن اعتقد أنه إذا وُجد وُجد المسبب، وإذا فُقد فُقد المسبب. "د".
٢ مضى تخريجه "ص٣١٤"، وكتب "خ" هنا ما نصه: "جاء في الشريعة ما يقتضي الحذر من العدوى؛ كحديث: "فر من المجذوم فرارك من الأسد"؛ فالقصد إذًا من حديث: "لا عدوى" إبطال الاعتقاد بأن العدوى من الأسباب المؤثرة على سبيل الوجوب، ونبه في الحديث على وجه إبطال هذا الاعتقاد بالإشارة إلى أن المرض الذي يحدث عند مخالطة بعض المرضى قد يكون مثل الإصابة الأولى ناشئا عن سبب غير سبب العدوى".
٣ وبذلك كانت الأسباب جعلية لا عقلية طبعية، تفضي إلى آثارها بذوقها.
وانظر: "مدارج السالكين" "٣/ ٣٩٥-٤٠١"، و"بدائع الفوائد" "٣/ ١٧٨-١٨٠"، و"أصول التشريع الإسلامي" "ص٢٨٥"، و"بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله" "٢/ ٤١٢" لفتحي الدريني.
٤ ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.