وَالثَّانِي:
أَنَّ الرُّخْصَةَ أَصْلُهَا التَّخْفِيفُ عَنِ الْمُكَلَّفِ وَرَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ؛ حَتَّى يَكُونَ مِنْ ثِقَلِ التَّكْلِيفِ فِي سَعَةٍ وَاخْتِيَارٍ، بَيْنَ الْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ، وَالْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ، وَهَذَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} الْبَقَرَةِ: ٢٩ .
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} ١ الْأَعْرَافِ: ٣٢ .
{مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} النَّازِعَاتِ: ٣٣ .
بَعْدَ تَقْرِيرِ نِعَمٍ كثيرة.
وأصل الرخصة٢ السهولة، ومادة "ر خ ص" لِلسُّهُولَةِ وَاللِّينِ؛ كَقَوْلِهِمْ: شَيْءٌ رَخْصٌ٣: بَيِّنُ الرُّخُوصَةِ، وَمِنْهُ الرُّخْصُ ضِدُّ الْغَلَاءِ، وَرَخَّصَ لَهُ فِي الْأَمْرِ فَتَرَخَّصَ هُوَ فِيهِ: إِذَا لَمْ يَسْتَقْصِ لَهُ فِيهِ، فَمَالَ هُوَ إِلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا سَائِرُ اسْتِعْمَالِ الْمَادَّةِ٤.
وَالثَّالِثُ:
إِنَّهُ لَوْ كَانَتِ٥ الرُّخَصُ مَأْمُورًا بِهَا نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا؛ كانت عَزَائِمَ لَا رُخَصًا، وَالْحَالُ بِضِدِّ ذَلِكَ؛ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْحَتْمُ وَاللَّازِمُ الَّذِي لَا خِيرَةَ فِيهِ،
١ في الأصل زيادة "و".
٢ أي: وقد ورد إطلاق الشارع هذه المادة بهذا المعنى؛ كما في الحديث: "إن الله يجب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، وكثيرا ما يرجعون في بيان المعاني الشرعية إلى معرفة المعاني اللغوية، لكن ما هنا حكم شرعي، وكون الأحكام الشرعية من إباحة أو غيرها يرجع فيها إلى مناسبات ومعانٍ لغوية هو كما ترى يشبه أن يكون استئناسا لا دليلا في مسألة أصولية، والمؤلف وإن كان من عادته أن يجمع على مدعاه ما يتيسر له من أدلته قوية وغيرها؛ إلا أنه في العادة يجعل هذه بعد تلك ويظهر على أسلوبه أن غرضه منها الاستئناس، لا أنها من صلب الأدلة كظاهر صنيعه هنا. "د".
٣ في "ط": "يرخص".
٤ انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس.
٥ في "م": "كان".