الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:
إِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْمُبَارَكَةَ معصومة، كما أن صاحبها صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ، وَكَمَا كَانَتْ أُمَّتُهُ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مَعْصُومَةً١..
وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الْحِجْرِ: ٩ وَقَوْلِهِ {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} هُودٍ: ١ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} الْحَجِّ: ٥٢ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحْفَظُ آيَاتِهِ وَيُحْكِمُهَا حَتَّى لَا يُخَالِطَهَا غَيْرُهَا وَلَا يُدَاخِلَهَا التَّغْيِيرُ وَلَا التَّبْدِيلُ، وَالسُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ، فَإِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لَهُ وَدَائِرَةٌ حَوْلَهُ، فَهِيَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ فِي مَعَانِيهَا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُعَضِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا} الْمَائِدَةِ: ٣ .
حَكَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي "طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ"٢ لَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُنْتَابِ، قَالَ:
كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، فَقِيلَ لَهُ: لم
١ انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٧/ ٤٤٧".
٢ قال ابن الجرزي في "غاية النهاية" "١/ ٥٠٥": "كتاب "طبقات القراء" في أربعة أسفار، عظيم في بابه، لعلي أظفر بجميعه"، وهذا الكتاب عزيز منذ القدم، كما أفاد المقري في "نفح الطيب" "٤/ ٤٧٤" ولم أظفر بأي نسخة خطية منه في المكتبات اليوم.