فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَارَ الْأَثَرُ الْمُخَصِّصُ لِمُوجَبِ الْقِيَاسِ أَصْلًا، فَهَلَّا قِسْت عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ مِمَّا هُوَ فِي عِلَّتِهِ؟ قِيلَ لَهُ: إذَا كَانَتْ الْأُصُولُ الْأُخَرُ تَمْنَعُ مِنْهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِي التَّخْصِيصِ قَدْ جَوَّزَهُ. فَلِمَ جَعَلْت الْمَانِعَ أَوْلَى مِنْ الْمُجَوِّزِ؟ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ مَزِيَّةً فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ الْمُخَصِّصُ لَهُ، وَهُوَ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَالْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي تَخْصِيصِ هَذَا الْقِيَاسِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّا لَوْ قِسْنَا عَلَى الْأَثَرِ فِيمَا وَصَفْت لَعَارَضَهُ قِيَاسُ الْأُصُولِ، فَلَا يُثْبِتُ قِيَاسُ الْأَثَرِ مَعَ مُعَارَضَتِهِ قِيَاسَ الْأَصْلِ (لَهُ) الْمُوجَبَ بِضِدِّ حُكْمِهِ، وَكَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ أَحْوَالِهِمَا أَنْ يَسْقُطَا، وَيَبْقَى الشَّيْءُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، فِيمَا عَدَا الْأَثَرَ قَبْلَ وُرُودِهِ، فَيَبْطُلُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَارَضَهُ قِيَاسُ الْأُصُولِ، فَهُوَ أَيْضًا يُعَارِضُ قِيَاسَ الْأُصُولِ، فَيَتَعَارَضَانِ عَلَى مَا ذَكَرْت، فَيُوجِبُ ذَلِكَ بُطْلَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ بِالْآخَرِ. وَهَذَا يُوجِبُ بُطْلَانَ قِيَاسِ الْأَصْلِ أَيْضًا.
(قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لَا يُبْطِلُهُ مُعَارَضَتُهُ قِيَاسُ الْمَخْصُوصِ إيَّاهُ. فَيَكُونُ قِيَاسُ الْأَصْلِ مُبْطِلًا لِقِيَاسِ الْمَخْصُوصِ، وَلَا يَكُونُ قِيَاسُ الْمَخْصُوصِ مُبْطِلًا لِقِيَاسِ الْأَصْلِ، وَكَانَ ثَابِتًا بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ) .
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَتْرُكُونَ أَنْتُمْ الْقِيَاسَ إلَى قِيَاسٍ آخَرَ وَهُوَ أَحَدُ ضُرُوبِ الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَكُمْ، فَهَلَّا أَجَزْت تَرْكَ الْقِيَاسِ الْأَصْلِيِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَثَرِ الْمُخَصِّصِ لَهُ؟ .